12‏/11‏/2009

أوراق عشرينية

إهداء
.........
إلى مَحضَن هذه الأوراق .. إلى بيتى الجليل .. أبى وأمى

ثم إلى كل من اقتت من حبها لإنشاء هذه الأوراق وإتمامها فى هذه السن من الحياة ...
2008



المقدمة

عمل كهذا لا يمكننى أن أضع الإهداء عليه هكذا عبثا أو من قبيل المجاملة ، أو حتى الذوق الاجتماعى ، الذى أسميه ( الكذب / النفاق ) الاجتماعى ، لكننى بحثت جديا عن الرابط الحقيقى والمستمر الذى مكـّن لهذه الأعمال - مجتمعة بين دفتى هذا الكتاب - أن تخرج للنور ، فوجدته فى ذلك البيت الذى ضمن لى قدرا من الاستقرار ، جعل من استمرارية هذه الأعمال ، وسيرها متوازية حينا ، ومتوالية حينا ، أمرا ممكنا ، هذا البيت لم أقصد به جدرانا ولا أثاثا ، ولكن قصدت به والدى وأمى ، فكما ذكرت هما محضن هذه الأوراق بلا منازع .

ولكن يبقى من أعطانى قوة الدفع ، ومن يزودنى الفينة بعد الأخرى ، كى أمضى قدما فى هذه الأوراق ، ومن فى سبيله أيضا قررت أن أجمعها وأخرجها دفعة واحدة ، يبقى الحب ، ذلك الثوب الموشَّى الذى تلبسه كل حين إحداهن وتأتلق فيه ، فيبعث من ألقه طاقة لا تخبو إلا بقدر ما تنزعه هى عن نفسها ، أعترف أن هذه الطاقة كانت طاقة عطاء منى لا أخذ ، نعم فلم تزودنى أيا منهن بطاقة الحب تلك ، ولكن أنا من زودت نفسى بنفسى ، وإن أخذت منهن وسيطا لذلك ، أتكلم عنهن وكأنهن كثيرات ، ولكنهن واحدة ، واحدة فى حلمى ، عديدة فى صحوى ، ليس لها وجود فى واقع حياتى ، أتمنى فعلا أن تحل ، وأن تلازم ثوبها ولا تنزعه عن نفسها أبدا ، وأن تعطينى ما بذلتـُه لها طوال السنوات الأربع أو الخمس ، وأن أخرج الطبعة الثانية وعليها الإهداء لها اسما لا رسما .

أما عن الكتاب فإنه مجموعة من الأعمال التى تم إنجاز معظمها فى عامى 2007 / 2008 ، وعلى التحديد من يوم ميلادى العشرين إلى الواحد والعشرين ، هذه الفترة التى خرجت فيها بعض كتاباتى إلى النور من خلال المدونات الإلكترونية التى أنشئت منها خمسا خلال هذا العام ، والبعض الآخر من خلال العمل المهنى أو الدعوى المنشور فى بعض المواقع والمجلات ، أو النهضوى المنفذ على أرض الواقع .

وقد دفعنى إلى تجميع ذلك إثبات نظريتى فى أن فتية هذه الأمة - وأنا واحد منهم – لديهم الكثير لكى يقدمونه فى هذه السن ، وحتى لو لم تقدم أى دار نشر على الطبعة الأولى هذه ، أو بالأحرى لم أحاول أنا ، فأنا متيقن من أن خروج طبعات تالية سيكون على نطاق أوسع .

وقد قسمت هذه الكتابات إلى ثمانية فصول :

يأتى الفصل الأول ببعض الكتابات الأدبية التى كتبتها حول مواقف مررت بها فى حياتى أكثرها فى الحب ، وليس فيها إلا حلقات " عائد من غزة " التى خرجت عن هذا الإطار ، وهى تبدأ بـ " عندى عشرون " ، وتنتهى بـ " الحادى والعشرين " ، وتتخذ من القصة القصيرة شكلا فنيا لها فى معظمها .

الفصل الثانى حشدت فيه معظم المقالات السياسية التى كتبتها فى أعقاب الأحداث المتعلقة بها ، سواء المنشورة على مدونتى أو المنشورة فى مجلة " خطوة " التابعة لنموذج منظمة المؤتمر الإسلامى ، ومعظمها أعمال تعلقت بغزة وحماس ، ولا يخرج عن هذا المضمون سوى مقالة عن أحداث المسجد الأحمر بباكستان ، وأخرى عن استقلال كوسوفا .

الفصل الثالث يتضمن الأعمال البحثية التى قمت بها ، ومنها الاجتماعية كبحث " الحتمية العمرية للزواج " ، ومنها الدينية كـ " لنعلم من أين نؤتى " ، ومنها المحقق كتحقيق " الذئب المزيف " ، ومنها عرض لكتب فى مجال الفلسفة الإسلامية ، وفى نهايته عرض لدراسة قمت بها مع زميل لى فى مجال تدريس اللغة العربية للأجانب .

الفصل الرابع عن بعض الرؤى و النظريات العامة التى نظـَمتـُها وهى ثلاثة ، واحدة فى الحب ، والأخرى فى الثورة وتطبيقها على نموذج مجمع اللغة العربية " أبجد " ، والأخيرة فى حركة البناء النخبوى ، تحت مسمى " الفراقد " .

الفصل الخامس عن بعض المشاريع التى قمت بها ، ضمن فريق عمل ، كمشروع البرنامج والنشرة الشبابية ، أو قمت بصياغتها منفردا ، ثم طبقت ضمن فرق عمل ، كنموذجى مجمعى اللغة العربية والبحوث الإسلامية " أبجد – أسلم " .

الفصل السادس يحتوى ست مقالات فى مواضيع شتى منها اجتماعية ، ومنها ثقافية ، وأخرى فنية ، ومنها ما نشر فى مجلة " خطوة " ، أو ما نشر فى مجلة " المنبر " .

الفصل السابع خصصته لأعمالى الصحفية مقسمة على ثلاثة أبواب ، الباب الأول بعض القطع الصحفية الخاصة بالكلية أو الجامعة والتى لم أنتجها لجهة معينة ، ونشرت فى " المنبر " ، أما الثانى فهو تغطيات لبعض الفعاليات الثقافية التى كنت أداوم على حضورها ، والأخير مجرد عناويين لثمان وثمانين قطعة صحفية نشرت لى على جريدة المصريون الإلكترونية .

أما الفصل الثامن والأخير فبه أختم بست مقالات لخواطر لى تقع جميعها فى الشق العاطفى من الحياة .


........................................................................................................................................................

الفهرس ( بالروابط المتاحة )

المقدمة ................................................................... 2

الفصل الأول : قصص ذاتية

عندى عشرون ........................................................ 5
أخيرا خطبت .......................................................... 9
مئوية حلمى ......................................................... 13
حالة حب ............................................................ 15
ليست معى ........................................................... 22
غريم الشجن ......................................................... 24
كن كالسحابة .. تمطر حبا.............................................. 28
عائد من غزة (1،2،3،4) ............................................. 30
الحادى والعشرون .................................................... 39

الفصل الثانى : المقالات السياسية

قمة حماس وقاع عباس ............................................... 44
غزة .. حقائق وأباطيل ............................................... 47
غزة .. نزيف الحصار ................................................ 56
مصر بتلعب .. إسرائيل بتضرب .. غزة بتولع ........................... 58
المسجد الأحمر .. ودروس للأمة ....................................... 60
هل نعترف باستقلال كوسوفا ؟ ........................................ 67

الفصل الثالث : البحث العلمى

1- الأبحاث :
الحتمية العمرية فى الزواج ......................................... 70
الإساءة مجددا ( انتصاف الغرب للنبى الكريم ) ........................ 92
تحليل توصيفى لبعض مقررات تعليم العربية لغير الناطقين ............. 199
2- عرض كتاب :
الاستشراق والتبشير ............................................. 215
15 التجسيد والصلب ............................................. 226
المنن الكبرى .................................................... 230
كتب فى الأدب ................................................... 245
3- تحقيق :
مخطوطة " الذئب المزيف " ....................................... 263


الفصل الرابع : النظريات

الفراقد .. نظرية فى البناء النخبوى .................................. 283
أبجد .. تجربة فى النهوض الثورى .................................. 305
أرود .. رؤية فى الحب الطاقوى ..................................... 316

الفصل الخامس : المشاريع

برنامج من قلب الجامعة
نشرة إخبارية شبابية
نموذج مجمع اللغة العربية ( أبجد )
نموذج مجمع البحوث الإسلامية ( أسلم )

الفصل السادس : مقالات متفرقة

إنما تنتزع الحقوق ولا تستجدى
حرب الدوائر
ب ر ق
الضمير العربى والتكريس لحالة الانهزام
شجر الليمون
تأخر الزواج ومجانية التعليم


الفصل السابع : الأعمال الصحفية

تغطيات خاصة
عناوين المصريون

الفصل الثامن : خواطر

أنت وعصرك .. التأثير والتأثر
إحساسان فى آن
وانفتح الجرح

دماء فلسطين .. وطعنات خائنين
ليلة سقوط الخلافة العثمانية

25 يوم وخواطر عالقة
انكسرت .. انتصرت !

المؤلف مسطورا .......................................... 398

8‏/11‏/2009

أبجد .. تجربة فى النهوض الثورى (1)



تجربة .. نهوض .. ثورى .. أبجد ، أربع كلمات وردت فى عنوان العمل ، يجب أن ألقى عليها بعض الضوء قبل الشروع فيه :

تجربة .. هنا بمعناها العلمى أى تتبع الخطوات التالية :

1- تحديد حقل التجربة وموضعها .
2- قراءة ورفع للواقع ، وجمع للمعلومات فى هذا الحقل الذى سيجرى العمل فيه .
3- البدء فى تنظيم المعلومات ، و التوفيق بين هذه العناصر المتجمعة لدينا .
4- وضع الفروض لنجاح التجربة ، ثم البدء فى تجريب الفروض ، ومع فشل صحة كل فرض يصبح لدينا طريقة خاطئة تؤكد اقترابنا من الطريقة الصحيحة .
5- الوصول إلى الفرض الصحيح الذى يوصلنا للنتيجة المرادة من التجربة ، ومن ثم تطبيقها على الحقول والمجالات المشابهة .

النهوض .. هو ذلك العمل الحضارى الذى يعزم عليه مجموعة من المجتمع القيام به ضد حركة ركود أو بطء حضارى فى المكان والزمان الحاويين لهم .

الثورى .. هو الطريق أو الوسيلة التى يتخذها العمل النهضوى مقابلة بمناهج نهضوية وتغييرية أخرى ، وهو لا يعنى العنف أو القسوة فى طريقة توقيع التجربة النهضوية ، ولكن يعنى أن هذه التجربة تقطع تماما بين ما قبل التجربة وما بعدها ، وتنفصل انفصالا تاما عن معطيات الواقع ، فتحدث بذلك ثورة فى الواقع المركوم .

أبجد .. هو نشاط طلابى استطاع أن يغير من قواعد العمل الطلابى فى كلية دار علوم – حقل التجربة – أو بالأحرى استطاع أن يكسر كافة قيود العمل الطلابى فى هذه الكلية ، وقد مر بأطوار عدة على مدار أربعة أعوام ، واستوى على سوقه فى آخر فصل فى هذه الأيام ، وهذه التجربة تحمل فكرى الخالص فى رؤيتى للتغيير وللعمل النهضوى فى فترتنا الحالية على مستوى الجامعة ، وعلى مستوى القطر المصرى ، ومن ثم الحالات المشابة فى العالم الإسلامى .



أولا : حقل التجربة ( دار العلوم ) :

هى كلية دار العلوم بجامعة القاهرة ، ولن أخوض فى تاريخ هذه الكلية الذى يسبق جامعة القاهرة نفسها ( أول جامعة فى مصر ) بثلث قرن من العطاء ، ولن أسرد أيضا رجالها الأفذاذ من العلماء والأدباء والمصلحين والمجددين ويكفى أن منهم أمثال حسن البنا وسيد قطب ( وذكرهم هنا من ناحية قوة التأثير ومداها ) ، ولن أعدد أيضا المواد التى كانت تقرر فى هذه المدرسة – قبل أن تصبح كلية – ولا تاريخ تطورها الطويل ، ولكننى سأركز أكثر على واقع هذه الكلية وما آلت إليه بعد انضمامها إلى جامعة القاهرة (1946) . حيث أصبحت متخصصة فقط فى العلوم العربية والإسلامية ، موزعة على أقسام : النحو والصرف والعروض ، الدراسات الأدبية ، البلاغة والنقد الأدبى والأدب المقارن ، علم اللغة والدراسات الشرقية والسامية ، الشريعة الإسلامية ، الفلسفة الإسلامية ، التاريخ الإسلامى والحضارة الإسلامية .

وتدرس مواد هذه الأقسام على مدار أربعة أعوام بلا تخصص إلا فى مرحلة الدراسات العليا مما يجعل الطالب ملم باللغة العربية إلمامه بالشريعة الإسلامية ويستعين بتلك على هذه ، وبهذه على تلك ، وهو فى ذلك قد يجمع مالا يجمعه الطالب الأزهرى الذى يتوزع ما بين كلية لغة عربية أو كلية أصول الدين أو شريعة أو دعوة ، ذلك فإن لائحة دار العلوم هى الوحيدة التى تسمح لطلاب وطالبات المدارس الأزهرية بالالتحاق بها ، وبذلك تعد حلقة وصل مهمة بين مؤسسة الأزهر ، والجامعات المصرية ( حيث أنشأ للكلية مؤخرا فرع فى الفيوم وآخر بالمنيا ) .

هذا على مستوى المحتوى والمضمون الذى يؤهلها لكى تكون رائدة للإصلاح ، ومحضنا للفكر والتجديد الإسلامى ، ومصنعا للإسلاميين قادة ونخبا ، أما على مستوى الشكل فهى تعد كلية داخل الحرم الجامعى تسرى عليها كافة أوضاع الكليات ولوائحها ، بل وتزيد عليهم لخصوصية وضعها ، فالبعض يعتبرها جسدا غريبا على نسيج الجامعة يجب لفظه ، والبعض الآخر يعتبرها نقطة مضيئة ، وعلامة صحة ، فى هذا النسيج الجامعى .

إذن فمجال التغيير والتجريب فى هذه الكلية يصلح لأن يكون من ناحية مجالَ تطبيقٍ للعمل النهضوى فى الفكر والحركة الإسلامية ، وبالتالى يصلح للتعميم أو الاحتذاء على الأقل ، ومن ناحية أخرى يصلح لأن يكون نموذجا للإصلاح على مستوى أى كلية فى الجامعة ، ثم على مستوى الجامعة نفسها ، والتى هى جزء من هذا الوطن ، وتدار بنفس الطريقة التى تدار بها المؤسسات الأخرى التى تحتاج إلى عمل إصلاحى لتقويمها وتطويرها .

ثانيا : رفع الواقع :

أ - الفئات والقوى :

من جانب الفئات فإن الكلية تتوزع فئاتها – على الترتيب من حيث العدد – على الطلاب والأساتذة والموظفين ، وتتكون ست قوى من هذه الفئات – على الترتيب من حيث التأثير – الأمن وطلاب الإخوان والإدارة واتحاد الطلاب والطلاب العاديين .

وإذا نظرنا إلى ما يقابل هذه القوى خارج الجامعة سنجد أن قوة الأمن تأتى على رأسها ثم يتفاوت مدى تأثير القوى المسيسة كالإخوان وغيرهم مع الحكومة ( والتى هى الإدارة ) ، ثم يأتى أعضاء مجلس الشعب كنظير لاتحاد الطلاب ، والمنتخبين من جموع المواطنين ، والقاعدة العريضة منهم كالطلاب العاديين الغير مؤثرين .

ب - قواعد العمل الطلابى :

لا يمكنك أن تتلمس قواعدا محددة للعمل الطلابى داخل كلية دار العلوم بالذات ، لأنها أحيانا تساير القواعد العامة التى تعمل بها الجامعة بحجة أنها كلية داخل الحرم الجامعى يسرى عليها ما يسرى على باقى الكليات ، وأحيانا تخالف كل قواعد الجامعة وتزيد فى تعقيدات غير موجودة فى بقية الكليات بحجة أن لها خصوصية ، وهذه الخصوصية هى إدعاء أن بها أكبر قاعدة لطلاب الإخوان المسلمين ، وبذلك فإن التدابير الأمنية الزائدة هى فى صالح الكلية حتى لا تتم " أخونة " الكلية كما يدعون ، وبالطبع فإن حقيقة القاعدة الأكبر للإخوان فى الجامعة لهى حقيقة قديمة –تغيرت الآن بالطبع - يعرفها رجال الأمن جيدا ، ولكنها فقط تقف كحجة يلوكها بعض الأساتذة والموظفين الإداريين لسن المزيد من القوانين المقيدة للعمل الطلابى .

وبوجه عام فإن الجهاز الرسمى للتعامل مع نشاط الطلاب فى الكلية هو جهاز رعاية الشباب بالكلية ، والذى هو خليط من أساتذة وموظفين إداريين مسيطرٌ علي معظمهم من قبل قيادة حرس الكلية ، ويساعدهم طلبة مجندين لإدارة الصراع مع أى قوة طلابية غير مرغوب فيها ، وهذا الجهاز يتعامل مع كافة طلاب الكلية المنقسمين إلى :

1- طلاب دار العلوم المستهدفين من خدمات رعاية الشباب التعليمية كطباعة الجدول وملازم الامتحانات ، والخدمية كتعليق الملصقات واللوحات الإرشادية وعقد الدورات الحرفية ، والترفيهية كالرحلات والحفلات .

2- الطلاب المحظورين وهم فى أغلبهم من طلبة الإخوان ، وهم محظورون من التعامل الرسمى كدخول الانتخابات أو استلام دعم الكتب فى بعض الأحيان .

3- طلاب النشاط ، وهم الطلاب المعتمدون داخل رعاية الشباب ، ويمثلون الطبقة التى يتم اختيار اتحاد الطلاب منها ، فكما أن الحكومة لا تختار إلا من أعضاء الحزب الوطنى ، فإن اتحاد الطلاب لا يتم اختيارهم إلا من الفئة المسماه بـ " طلاب الأنشطة " ، والتى يصدر باسمها كافة الفعاليات إبان فترة انتخاب الاتحاد الجديد فى كل عام ، ولا تحتاج عضوية هذه الفئة إلى انتخابات أو ترشيح وإنما هى عرفية ، تسحب على كل من يقدم خدمات للرعاية ويعمل تحت مظلتها .

أما القنوات الشرعية التى يعتمدها هذا النظام كقنوات رسمية للنشاط داخل الكلية فتتمثل فى :

1- اتحاد الطلاب :

وهو المنظومة الأساسية التى تمثل الطلاب داخل أى كلية ، وتعمل على توفير احتياجاتهم ، وتلبية مطالبهم ، والترشيح فى انتخابات هذه الاتحادات مسموح لكل الطلبة ما عدا الباقون للإعادة والموقع عليهم عقوبات تأديبية بناء على قرار من مجلس تأديب محالون إليه من قبل الشئون القانونية فى الكلية عن طريق التقارير الأمنية فى معظم الأحوال ، أما الفائزون فى هذه الانتخابات فيشترط فيهم – عرفيا – أن يكونوا من طلاب الأنشطة الموثوق فى تبعيتهم لرعاية الشباب .

2- الجماعات الثقافية والجمعيات العملية :
وهى جمعيات تتبع لجان معينة فى الاتحاد وعلى رأسها اللجنة الثقافية ، ولكنها مستقلة فى إدراتها حيث يترأس كل جماعة عضو هيئة تدريس – فى الغالب معيد – ويباشر بنفسه عمل هذه الجماعة بتنسيق غير مباشر مع رعاية الشباب .

3- أسر الكلية :

وهى أشبه بالنظام الحزبى الصورى حيث تتبع هذه الأسر لجنة فى الاتحاد وضعت باسمها ( لجنة الأسر ) ، ويشترط لكل أسرة عدد من المؤسسين لا يقل عن خمسين طالبا وطالبة بدون أى شروط ، وتوقيع أستاذ كرائد للأسرة ومعيد كأمين للصندوق ، وفى الغالب يتم إلغاء ورق الأسر التى يمثل فيها الطلبة المحظورون النسبة الأغلب ، وهذه الأسر يتم وضع لوائح خاصة بها ، وتجدد كل عام بقيود أكثر لضمان عدم خروج أى أسرة عن الخطوط المرسومة من قبل رعاية الشباب .

إذن فمجمل قواعد العمل الطلابى تتسم بأنها :

1- محددة بزمان ومكان ، فلا أنشطة قبل انتخاب الاتحاد ولا أنشطة بعد حفل ختام النشاط ، ولا نشاط للأسر فى الفصل الدراسى الأول بإطلاق ، وبالطبع فإن المكان الممارس فيه النشاط هو أروقة الكلية فقط ، اللهم إلا إن كانت مسرحية أو حفل ضخم فيعقد فى مسرح الجامعة ، أو رحلات بإشراف ممثلى الرعاية .

2- لا تتم بإرادة كاملة للطلبة حيث يشترط فى أى نشاط أن يشرف عليه موظف من رعاية الشباب بالإضافة إلى عضو من هيئة التدريس ، فلا تخرج أى ورقة من رعاية الشباب ، ولا تعلق إلا وعليها إمضاء وختم مدير إدراة رعاية الشباب ، ولا يعقد أى اجتماع لأى مجموعة من القنوات الثلاثة الشرعية السابقة إلا ومعهم الموظف المختص أو عضو هيئة التدريس المسئول أو كليهما ، وأى اعتراض من أحدهما يوقف فورا أى خطوة يتخذها الطلبة .

3- لا تتمتع بالجدة أو الإبداع حيث يتم عملية قولبة لمعظم فعاليات الأنشطة ، فالجماعات مثلا كجماعة الشعر أو الإلقاء يقتصر دورها فى المهرجانات واللقاءات داخل الكلية فقط ، والأسر يحدد نشاطها فى مجلة حائط ودورة ثقافية وندوات ( خمس ندوات فقط ) ، ورحلات تقسم أيضا إلى رحلة واحدة داخلية ( فى القاهرة ) ، وأخرى خارجية ( إلى إحدى المحافظات ) ، وهكذا .

4- لا تتم الموافقة عليها إلا بعد مدة من الزمن ، فلا يتم الموافقة مثلا على تعليق مجلة حائط إلا بعدها بأسبوع ، وإن كانت كل هذه المدة من أجل مجلة حائط ، فإن الندوات أو الرحلات تحتاج إلى أكثر من ذلك ، وتحتاج أيضا إلى عدم معارضة أمن الكلية .

5- عدم الاستمرارية ، فهى فعاليات متفرقة غير منظمة فى نسق موحد ، كأن تكون دورة على مدار العام ، أو سلسلة محاضرات أو فعاليات فى اتجاه واحد ، وكل عام يأتى من يبدأ من جديد أو يكرر عمل أسلافه فى العام الماضى ، ولذلك فإن الكثير من الأسر الطلابية مثلا تموت بتخرج أعمدتها .

ج - مستوى أداء الكلية :

كلية دار العلوم كلية لها تاريخ واسم كبيرين ، وقد ظل هذا الاسم وحده يعطى للمنتسب إليها ثقلا أيا كان مستواه ، ولكن بالنظر إلى العقود الثلاثة الأخيرة فى الكلية نجد أن مستوى أداء الكلية قد هبط كثيرا عن سالف عهده قبل وإبان انضمامها لجامعة القاهرة ، بحيث احتفظت بقيمتها فى ذاكرة من عاشوا عقودها الذهبية فى أوائل ومنتصف القرن الماضى ، ولكنها توارت من مشهد الأجيال الناشئة ، ولا أذكر أن طالبا فى صفوفنا الثانوية ذكر أمامى هذه الكلية ، وعندما قابلت اسم الكلية فى أوراق التنسيق سألت عنها كثيرا حتى عرفت عنها بعض المعلومات ، وإلى الآن عندما أذكر أمام أكثر الشباب أننى خريج كلية دار العلوم ، يتسائل مباشرة : وما الفرق بينها وبين كلية العلوم ؟ ، ويرجع هذا الأفول للكلية لعدة عوامل :

1- ذهاب أعلام الكلية الكبار .
2- ضعف المناهج الدراسية .
3- التوجهات الرسمية لإضعاف مكانة الكلية .

وشرح هذه العوامل قد يحدث إطالة وخروجا عن صلب الموضوع ، ولكن إذا بدأنا مع العامل الأول نستطيع أن نقول أن أعلام الكلية الكبار من حيث الثقل والتأثير كانوا من الكم والكيف الذى لا يقارن تماما بمستوى أداء أساتذة الكلية وطلابها ومن ثم خريجها فى كافة مواقعهم ، وهذا العامل مرتبط أيضا بالتخفف الذى اعترى الكثير من موادها ، ويحكى لنا أساتذتنا عن مقدار الحفظ المقرر من القصائد منذ ربع أو ثلث قرن فقط فنجد ألا مقارنة بين ما وصل إليه الآن ، أما العامل الثالث فهو المهيمن على السابقين فمن أول تهميش دور الكلية الرسمى ، إلى الاستمرار فى وضعها فى زيل القائمة على لائحة التنسيق ، وحتى إيداعها فى المبنى الكائنة فيه حتى الآن منذ دخولها جامعة القاهرة وهو عبارة عن مبنى معامل وورش تابعة لكلية الهندسة وغير معد للمحاضرة فيه على الإطلاق ولا يليق بتارخ الكلية إطلاقا ، ولم يدخل حتى فى التطويرات الجديدة التى طالت الكثير من مبانى الجامعة فى مئويتها !

ولبيان هذا العامل الثالث وأنه ليس عبثا من القول ، أو مجرد حملا على نظرية المؤامرة ، أعتقد أن هناك نظرة ساذجة تتعامل معها المؤسسة الرسمية للدولة مع كلية دار العلوم بنفس المنطق الذى تعاملت معه مؤخرا مع حركة حماس فى الخارج ، حيث تعتبر الدولة أى ارتباط فى الجذور بين أى جهة أو مكان مع جماعة الإخوان المسلمين – وهى كبرى الحركات الإسلامية فى العالم - يعد تعضيضا لهم ، وأن إضعاف هذه الجهات هو إضعاف للجماعة أو لمحاضنها ، وبذلك تعاملت فى الخارج مع حماس لأنها فى الأصل فرع للإخوان المسلمين ، ومع دار العلوم لمجرد أنها خرجت أهم رجلين فى تاريخ الجماعة على الإطلاق وهما المؤسس الإمام الشهيد حسن البنا ، والمفكر الشهيد سيد قطب ، فكأنها لا تريد المزيد من إخوان هذا الطراز .


ثالثا : ترتيب المعطيات وتوظيفها :

قد يرى الكثير أن هذه المعطيات غير متناسقة ولا تصلح لأن تنتظم فى تجربة واحدة تصلح نتائجها لشىء من التعميم على العمل النهضوى ، لكن المدقق يرى أنها جمعت أقطابا لا سبيل لجمعها فى مكان آخر ، وأن كل العناصر التى تحدثنا عنها آنفا ما هى إلا رموزا لهذه المرحلة الزمنية التى تعيشها الحركة الإسلامية مع الوضع السياسى والاجتماعى الراهن ، مع هذا الجيل التالى لجيل الصحوة والمفترض أن يكون طليعة لأجيال النهضة الإسلامية .

أيضا


رابعا : مرحلة الفروض وتجريبها :

ستدخل هذه المرحلة فى التفاصيل الشخصية التى خضتها بنفسى ، ولكنها تعتبر شخصية غير ذاتية ، إنما هى موضوعية لأقصى درجة ، أو هكذا أريدها وأقصد من وراء عرضها .




1- مرحلة كشف المسرح

2- جماعة الصحافة

3- برلمان شباب الجامعة

4- حزب العمل

5- مجلة المنبر

6- جماعة الإلقاء

7- حركة جامعتنا

8- أسرة فرسان النور



1- مرحلة كشف المسرح :


عند دخولى للكلية وفى عامى الأول ، كانت أمامى عشرات الطرق التى من الممكن أن أسلكها لتحقيق مآربى فى الكلية ، وكان لابد من أن أعطى لنفسى فترة أحدد من هذه الطرق طريقين أو ثلاثة أركز عليهم لأكتشف الأقوى منهم ، وأعتمده سبيلا لى بعد ذلك ، ولذلك كانت هذه الفترة هى السنة الدراسية الأولى كاملة حيث تم التعامل مع أربعة سبل ، استطعت أن أتخذ فى أول سبيلين منهما موقفا واضحا ثابتا على مدار الأربع سنوات ، وقررت أن أخوض فى السبيلين الآخرين وغيرها بعد ذلك :

أ . الإخوان المسلمين :

لا يمكننا أن نتثبت من انتماء فرد لجماعة الإخوان المسلمين إلا بعد أن ينهى المرحلة الثانوية ، فالجامعة هى المحك الرئيسى الذى يثبت للشخص أنه من الصف الإخوانى أو خارجه ، ولذلك فإن الجماعة تعتمد دائما على معسكر انتقالى يشارك فيه شباب ثانوى ليتم بعد ذلك تسليمهم ، أو تخريجهم إلى الجامعة ، وبذلك يضاف إلى الشاب بجانب الدعوة فى المنطقة ( المكان الذى يسكن فيه العضو ) ، الدعوة فى الكلية ، ويكون له مسئولين مسئول المنطقة ، ومسئول الجامعة ، وشغل الجامعة فى هذه المرحلة يصبح أهم وأولى من شغل المنطقة .

وبالفعل اشتكرت فى المعسكر الانتقالى بين المرحلتين الثانوية والجامعية ، وقد جاء ذلك تتويجا لنشاطى مع الإخوان خلال فترة الثانوى ، وكان معسكرا رائعا للغاية ، وتعد أيامه الأربعة من أعلى القيم التى حصلت عليها من الإخوان حتى الآن ، ومعظم من كانوا معى فى المعسكر ( العريش 2004 ) أصبحوا الآن مسئولين فى كلياتهم المختلفة حتى أننى قابلت أحدهم بعد أربع سنوات واكتشفت أنه أصبح مسئولا للإخوة فى الجامعة الأمريكية .

لكننى لم أسر على نفس النهج ، فمن أول يوم رأيت فيه الإخوان فى الجامعة ، أعملت نظرتى الناقدة ، فوجدت أن أدائهم ضعيف وتقليدى للغاية ، ومساحة تأثيره أضعف ، فمفردات النشاط تتكون من اللوحات الورقية المكتوبة بخط اليد أو المطبوعة ، المزيلة بالتيار الإسلامى ، أو الكلمات فى المدرجات التى تشبه الإذاعة المدرسية تماما بتمام حيث تبدأ بالقرآن ثم حديث النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم تختم بالأنشودة ، أو المعارض والمهرجانات التى تتضمنها الحملة السنوية ، هذا بالإضافة إلى حركة الرد الفعلى الثابتة سنويا ، وهى الدعاية الانتخابية ، ثم الاعتراض على الشطب من قوائم الترشيح ، فالاعتراض على منع أسرهم من النشاط ، وأخيرا الاعتراض على المجالس التأديبية الثابتة ، والوسائل محفوظة ومكرورة : مظاهرة ، اعتصام ( لا يتعدى يوم دراسى على الحد الأقصى ) ، مفاوضات مع العمداء ورئيس الجامعة ، إضافة إلى استخدام نفس الأساليب فى التعامل مع القضايا العامة على مستوى القطر المصرى أو العالم العربى والإسلامى كالإصلاح السياسى أو القضية الفلسطينية .

لم تعجبنى هذه الوسائل والأساليب سواء فى الفعل أو فى رد الفعل ، وأهم ما كنت أركز عليه – فى نقدى – هو مقدار التأثير الذى تحدثه هذه الفعاليات ، سواء على مستوى الطلبة المستهدفين ، أو على مستوى الجهات التى يُعترض بين يديها على هذه الممارسات ، فقررت ألا أنضم للعمل الإخوانى فى الجامعة ، بشكل رسمى ، وأحدث هذا القرار شيئا من الصدمة عند من هم فوقى فور اكتشافهم ذلك فى أول معسكر بعد دخولنا الجامعة ( الإسماعيلية – أول إجازة نصف عام فى الجامعة ) ، ولكننى حاولت أن أسرد وجة نظرى وأننى مستعد ومقتنع بالعمل فى المنطقة ، بعيدا عن الانخراط فى الجامعة ، وكان من ضمن الأسباب التى أحدثت شيئا من الاقتناع عندهم هو التفوق فى الكلية ، وطموحى إلى الانضمام لهيئة التدريس .

وقد ظلت علاقتى بإخوان الكلية ومسئوليها على درجة كبيرة من المتابعة ، فلم يكن هناك أى فعالية جماعية ( مظاهرات / مؤتمرات / مهرجانات .. إلخ ) ، إلا كنت موجودا فيها خاصة بعد أن انضممت للصحافة بداية من الفرقة الثانية فى الكلية .

والخلاصة أننى لم أكن بمنئى عن كبرى الحركات الطلابية العاملة فى الجامعة ( الإخوان المسلمين ) ، وكنت محسوبا فى البداية عليها ، أو بمعى آخر كانت مسارا طبعيا لى ، إلا أننى لم أقتنع بأدائها فى الجامعة وأخذت أبحث عن سبيل آخر لمزيد من التأثير فى العمل الجامعى .

ب . اتحاد الطلبة :

كشخصية قيادية تستثيرنى الاتحادات الطلابية ( خاصة أننى فى آخر كل مرحلة دراسية أصبح رئيسا للاتحاد العام كما كنت فى الصف الثالث الإعدادى والصف الثالث الثانوى ) ، ويصبح لقب رئيس اتحاد الكلية أو الجامعة من الألقاب التى أرنوا إليها كمبدأ عام ، لكن الوضع فى الجامعة جد مختلف عن الوضع فى المراحل السابقة ، فاتحاد الطلبة فى الكلية هم مجموعة يتم انتقائهم من شريحة معينة من الطلبة المرغوب فيهم ، ويتم استخدامهم فى أطر محددة معينة ، وأول ما لفت انتباهى فى الأمر وجعلنى أنفر من هذه الفكرة هو الناتج الذى يخرج من هذه الاتحادات ومنها مثلا اللافتات الإرشادية ، واللوحات الورقية التى توزع فى كل مكان منافسة للافتات الإخوان ، والشاهد أن لافتة منها لا تعلق إلا وعليها ختم رعاية الشباب وأيضا إمضاء مدير رعاية الشباب شخصيا ، وهذه مهزلة ما بعدها مهزلة ، فكيف يتم انتخاب هؤلاء الطلبة ، وبعد أن يتأكدون من ولائهم ويتحرون الدقة عنهم ، ويتم غربلتهم ، وبعد كل هذا ، يسحبون تلك الثقة – التى أعطاها بقية الطلاب لهم – مع أول جرة قلم على لوحة من اللوحات ، لأن معنى هذا التوقيع أن هذه اللوحة لم تكن لتعلق – حتى لو كانت بإرادة الاتحاد – إلا بموافقة مدير رعاية الشباب ، والذى هو علاوة على كونه موظف فى الكلية ، تابع تبعية شديدة لمكتب قائد حرس الكلية ، وبالتالى فهى دائرة مغلقة ليس فيها أى قيمة ، ومسرحية زائفة لا يقبل أن يصعد على مسرحها إلا الأراجوزات فقط ، ومن يكتشف أنه ممثل أو لاعب حقيقى يتم إنزاله من على المسرح فورا .

الأمر الآخر الذى أثبت لى أن الاتحاد ليس فقط " أراجوزات " ليس لها حول ولا قوة ، بل وأن محركى هذه الأراجوزات هم رجال الأمن ، هو الهجوم الشديد الممنهج والنظم على طلاب الإخوان المسلمين فى الكلية ، من بيانات وكلمات فى المدرج ولافتات ، وأفكار لا تخرج من رأس " أراجوز " مسكين ، وإنما من رأس صاحب خشبة المسرح ، ولكل هذه الاعتبارات قررت ألا أشارك فى هذه المهزلة أبدا ، وأيضا أن أدعو أصدقائى وأصحابى وكل من يطلب رأيى أن يقاطعوا هذه الانتخابات تماما ، وكان هذا الأمر هو بداية معرفة الأمن بى بعد ذلك .

ج . الجماعات الثقافية :

هى جماعات شبه مستقلة عن الاتحادات ، فهى فى الأصل تتبع اللجنة الثقافية باتحاد الطلبة ، لكن يشرف عليها معيد فى الكلية ، ومقررها ينتخب من أعضاء الجماعة بعيدا عن انتخابات الاتحاد وبغض النظر أكان الطالب عضوا فى الاتحاد أم لا ، وأول ما لفت انتباهى من هذه الجماعات هى جماعة الصحافة ، ثم جماعة الخطابة والإلقاء ، ولكل من هذه الجماعات تجربة خاصة تختلف باختلاف مشرفيها ونشاطاتها كما سيأتى .

د . الأحزاب السياسية :

" أخلع عبائتى الحزبية على أسوار الجامعة " هذه الجملة سمعناها من أحد أعضاء هيئة التدريس والعضو البارز فى لجنة السياسات فى الحزب الوطنى الدكتور / جابر نصار ، والواقع أن العمل الحزبى فى الجامعة ضعيف للغاية ، والأحزاب الفاعلة فيه هى : حزب العمل ، وحزب الاشتراكيين الثوريين ، وحزب الكرامة ، وبدايات نشاط حزب الغد ، وهذه الأحزاب إما مجمدة كالعمل أو تحت التأسيس كالكرامة ( وهناك أيضا كيان شبيه وهو اتحاد أندية الفكر الناصرى ) والاشتراكيين الثوريين ، والغد هو الوحيد الشرعى وبدأ ظهور ذراعه الجامعى فى 2006 ليس قبل ذلك، وبالطبع فإن الحزب الوحيد الذى قد أخوض معه التجربة الحزبية السياسية هو حزب العمل ذو التوجهات الإسلامية .



يتبع

31‏/10‏/2009

جدى قصاصا .. تحقيق للذئب المزيف

أنا وجدى
دائما كنت أسمع من والدتى عن جدى الذى فقد ثلث حياته ونصف بصره فى سجون عبد الناصر ، وطالما سمعت من جدتى كلمة "الإخوان" تخرج من فيها غير مرتجفة ولا متوجسة ، تخرج منها كأنها تتحدث عن شمس الأصيل ، أو سعف النخيل ، وعندما كنت أذهب لجامع الشراقى فى تلك القرية البعيدة على أطراف الشرقية التى تدعى "حوض ناجيح" يعترينى الفضول لاكتشاف كل هذه الغرف والقاعات التى بذلك المسجد الضخم ، واحدة منها كنت أحضر فيها كتابا فى أيام الإجازات المتقطعة ، والأخريات يحكى عنها حكايات وحكايات ، ورغم كل ذلك كنت عندما أنظر لصورته أو أتذكر المواقف القليلة التى جمعتنى به فى حياته أحسه رجلا طيبا هادئا وقورا لا يبدو عليه أن حياته زخرت بكل هذا .

حتى جاء اليوم الذى أطلعتنى فيه إحدى حفيداته على مخطوطة له ، مكتوب عليها "الذئب المزيف" قالت إنها قصة لجدك ، رأيت أنك أولى بالاحتفاظ بها ، فليس منا من يقدر هذا الأدب ، يمكنك أن تفعل بها ماشئت .

أمسكت بالمخطوطة وأخذت أقرأ حتى أتيت عليها ، ثم أخذنى العجب والدهشة كل مأخذ ، أحسست أننى أمام قصاص ماهر ، يكتب بلغة سلسلة رائقة ، يسلسل الأحداث تسلسلا ، يفتق الأفكار ويضع المعضلات ويركب القصة تركيبا لم أعهده فى قراءاتى لكبار القصاصين فى العالم العربى ، صدمت عندما وجدتها بلا تاريخ ، ظللت أسابيع أنقب وأسأل كل من يعرف جدى عن قرب أو عن بعد ، وجدتهم سمعوا عن تلك القصة ، بعضهم قرأها وبعضهم لم يقرأها ، لكنهم لم يتفقوا على تحديد وقت كتباتها ، وإن كانت الغالبية ترى أنه كتبها فى الثلاثينيات من عمره أى فى الخمسينيات من القرن الماضى ، وهو وقت مبكر جدا كانت القصة العربية ما زالت تخطو خطواتها الأولى ،والبعض أرجع وقت كتابتها إلى فترة العشرينيات خاصة أنه كان يعمل وقتها فى معسكرات الإنجليز ، وقرأ أكثر من شخص فى مكتبته بعض الروايات والقصص الإنجليزية غير مترجمة حيث كان يتقن الإنجليزية .

أستكملت خطوات تحقيق المخطوطة من بحث عن النسخ أخرى لها ، ومطابقة خطها بخط المؤلف ، وتحرير النص المكتوب واستدراك التصحيفات والتحريفات القليلة فيه ، وعزمت على نشره – إلكترونيا أولا – بمقدمة أراها مهمة لمناقشة ثلاث قضايا
1- علاقة الحركة الإسلامية بالأدب ومسيرته المصرية خاصة ( المؤلف نموذجا) .
2- القصة البوليسية المصرية ( الذئب المزيف نموذجا ) .
3- ثقافة التحقيق ( تجربتى نموذجا ) .

***

1- المؤلف :

أحمد محمد على الشراقى ولد فى قرية "حوض ناجيح" التابعة لمركز ههيا من مراكز الشرقية عام 1917 ، والده كان من كبار الفلاحين لكنه كان حالة وسط بين طبقة ملاك الأراضى ( الأرستقراطيين ) ، وطبقة الفلاحين العاملين بالأجرة فى تلك الأراضى ، وكان أيضا حلقة الوصل بين السلطة المعتمدة من الحكومة ( العمدة ) وبين بقية المحكومين ، فبيته يعد ثانى أكبر بيت فى البلد بعد بيت العمدة وإن كان له اليد الطولى فى الفصل بين المنازعات و مجالس الصلح ، وعندما بدأت دعوة الإخوان فى الانشار فى ربوع مصر وخاصة فى قرى الدلتا والصعيد دخلت دعوة الإخوان قرية حوض ناجيح عن طريق الشراقى الكبير ، وقد شب أولاده فى خدمة هذه الدعوة ، واشتهر أمر القرية خاصة بعد إعلان الإخوان المسلمين مشاركتهم فى حرب 48 حيث كون شباب القرية أول طليعة كبرى فى الشرقية ، وأقاموا معسكرا كبيرا عند التل الكبير وكان يتولى مهمة تدريبهم ابنه الأكبر "سيد شراقى" فى معسكر التل الكبير حيث اغتيل على يد عناصر من الحكومة المصرية ، وترجمته وقصة استشهاده افتتح بها الأستاذ حسن دوح كتابه شهداء على الطريق (دار الاعتصام) .

أتم أحمد الشراقى حفظ القرآن فى كتاب القرية فى سن صغيرة ، حازعلى شهادة إتمام الدراسة الابتدائية عام 1928 ، ثم شهادة الدراسة الثانوية عام 1931 ، عمل لمدة عام أو عامين فى معسكرات الإنجليز ومكنته هذه الفترة من إجادة اللغة الإنجلزية ، عين بعد ذلك فى معهد التربية العلمية بالزقازيق ، تزوج وأنجب ثلاثة من الأبناء ، وثلاث من البنات .

تم اعتقاله فى 10 / 1954 هو وعدد غفير من أبناء قرية حوض ناجيح ، ولم يتم الإفراج عنه إلا فى مايو 1963 ، أعيد اعتقاله مرة ثانية فى 9 / 1956 وأفرج عنه عام 1967 ، تعرض الشراقى كزملائه إلى عمليات تعذيب بشعه داخل السجون الناصرية أفقدته إحدى عينه اليسرى والكثير من الأمراض المزمنة التى صاحبته فيم تبقى من حياته ، عين بعد خروجه من السجن مديرا لمدرسة "حوض ناجيح الابتدائية" إلى أن أحيل للمعاش ، انتقل إلى رحمة الله تعالى عام 1992 .

وإذا نظرنا إلى هذه الفترة التى عاشها أحمد الشراقى طليقا قبل الاعتقال أو بعده ، أقصد الفترة التى من الممكن أن تكتب القصة خلالها أوحتى فترة الاعتقال نفسها على افتراض أن الكثير من المعتقلين السياسيين ينتجون أدبا وفكرا راقيا داخل السجون ، لو نظرنا إليها بالمقارنة مع حركة رجالات مصر الأدبية لوجدنا أن هناك تداخلا زمنيا واضحا ، وبالرغم من ذلك فهناك جهلا أو تهميشا فادحا لهذه الإسهامات من أبناء الحركة الإسلامية ، وليس هذا الجهل أو التجاهل مقتصر على أعداء الحركة الإسلامية أو مؤرخو الأدب المعتمدين مثلا فى النظام الناصرى ، بل إنه يمتد لأبناء الحركة نفسها بدليل عدم معرفة أى شخص بأمثال هذه الكتابات ، وعدم محاولة تجميعها ودمجها فى المسيرة الثقافية ، لأننى أتوقع مثلا أن تكون هذه الأعمال (الأكثر شهرة من هذه) مجمعة لدى الإخوان مثلا فى إصدارات ، ورغم أننى لم أقع على شىء مثل هذا ، لكنه لا يعنينى أيضا ، ما يعنينى هو أن يدرس أحمد الشراقى وأقرانه إلى جانب محمد تيمور وميخائيل نعيمة ويوسف إدريس .

وليس هذا متعلقا بالقصة فقط ، ولا بالأدب فقط ، بل بكل جوانب الحياة التى تعتبرها الحركات الإسلامية رصيدا لها دون سواها ، كمن يصنف مثلا تاريخ وإنجازات عمر بن عبد العزيز إلى التاريخ الأموى والدولة الأموية ، والرجل تجاوز كل هذه الأطر للخروج إلى إطار الأمة جمعاء ، بل إلى إطار الإنسانية الرحيب .

هذا ما أقصده من إدماج دراسة هؤلاء ضمن الحالة المصرية والعربية العامة وقتها ، إذا أن الافتراض يظل قائما بأن هذه القصة ليس الأخيرة لأحمد شراقى فضلا عن أن تكون الأولى ، وحتى لو تم افتراض أنها قصة واحدة لا يستحق الرجل أن يدرس من أجلها ، فالبيئة والعوامل التى أنتجت فيها هذه القصة تحتاج إلى الكثير من الدراسة ، وهذا أهم فى نظرى إذ أن دراسة هذه الحالة هى دراسة للمجتمع وفى القلب منه أيضا الحركة الإسلامية ، فدعوة الإخوان عندما يتم دراسة آثارها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية فى قرية صغيرة مثل "حوض نجيح" سيحدث ذلك أثرا بالغ الأهمية وبعيد المعنى فى خروج ظاهرة "الإخوان" خارج القمقم أو الخندق الذى تضع نفسها فيه ، إنها حركة تجذرت وتأصلت فى المجتمع المصرى والإسلامى ، ولا يحق لأحد – ولو كانوا ورثتها التنظيميون – أن يضيعوا ذلك التراث أو أن يفصلوه عن التاريخ ، فالحركات التى فصلت نفسها عن التاريخ ، وبوتقت نفسها لم تستمر ولم ينظر إليها أصلا على مر القرون بعد ذلك ، وإن كان تأثيرها بالفعل موجود وواضح .

جيل أحمد الشراقى

وأرجو أن يكون صدى دعوتى هذه محمودا لدى الباحثين والدارسين من أبناء الحركة الإسلامية ، فالأمر يستحق الكثير ، وتاريخنا الحديث – فى نظرى – لم يكتب بعد ، فلننتهز الفرصة قبل فوات الأوان .

2- القصة ( الذئب المزيف) :

بدايات نشأة القصة العربية عموما تعود إلى الربع الأول من القرن العشرين ، وقد كانت عبارة عن محاولات ، لم تكتمل ، ولم تحظ بالنجاح المطلوب ، ومن الصعب فعلاً تحديد بداية ظهور القصة تحديداً دقيقا ، فقد يكون هنالك محاولات لكتاب مجهولين ، طواهم النسيان ولم يتمكن الباحثون من رصد أعمالهم ، ولم ينقل لنا إلا تلك المحاولات التى حظيت بنصيب أكبر من الشهرة .

ويذكر الباحثون في هذا المجال ، أن أول قصة عربية راعت الأصول القصصية ، بقواعدها المعروفة ، وإن كان يعيبها السطحية وتزاحم الشخصيات ، دون أن تعطي بعض الشخصيات الإضاءة الكافية والبعد النفسي المطلوب لتفسير ردود أفعالها هى قصة "في القطار" للكاتب المصري محمد تيمور ، والتي نشرت في مجلة "السفور" سنة 1917 ،بينما هناك آراء أخرى تقول بأن أول من كتب قصة قصيرة عربية ظهرت في العصر الحديث هو اللبنانى ميخائيل نعيمة، حين كتب قصة "العاقر" ، وقصة "سنتها الجديدة" التي نشرت في بيروت عام 1914 .

لكن النقاد يتفقون على أن الشكل الفعلى للقصة القصيرة اتخذ خطوات واسعة على يد يوسف إدريس الذى أصدر أول مجموعة قصصية له "أرخص ليالى" عام 1954 ، وتأتى قصة الشراقى فى عصر بين العصرين ، بين البدايات فى العشرينيات وبين الذروة فى الستينات ، ولكننا نلحظ اكتمالا فى العناصر وروعة فى الأداء يرقى بها إلى الستينات وما بعدها ، لأنها أيضا تختص بفرع معين فى جنس القصة القصيرة وهو ما عرف باسم "القصص البوليسية" .

والقصص "البوليسية" أتت بالطبع مع كافة أنواع جنسها الغربية ، وإذا كانت القصص الواقعية الاجتماعية أو الرومانسية قد أخذت طابعا مصريا خالصا فى كثير من فتراتها ، فإن القصة "البوليسية" لم تستطع أن تفلت من إسار الغرب حتى إلى وقتنا الحالى فى المجموعات القصصية الشهيرة لنبيل فاروق "رجل المستحيل" ، اللهم إلا بعض ما كتب عن حرب أكتوبر وحرب الاستنزاف وإنجازات المخابارت المصرية ضد الإسرائيلية .

لكن الجديد الذى نطالعه هنا فى "الذئب المزيف" أنها تعد قصة "بوليسية بامتياز" ولكن فى الوقت نفسه هى قصة مصرية خالصة لا تشوبها أية لوثة غربية ، بالطبع بداية من مسرح الأحداث ، ثم الشخصيات ، مرورا بالأحداث ، طريقة ارتكاب الجريمة و طريقة الكشف عنها ، وحتى الدوافع – والتى هى دوافع اجتماعية عاطفية – تتوافق تماما مع خلفيات المجتمع المصرى ، وبالطبع تنتفى عن القصة كل الشطط أو الإسفاف الذى اعترى جل أنواع العمل الدرامى المكتوب والذى أدى إلى ظهوره ممثلا على الشاشتين الصغيرة والكبيرة ، فكل تفصيلة تعد رصدا حقيقيا وأمينا لكل جزيئات المجتمع الريفى المصرى آنذاك ، ولعل هذا الدمج العالى هو ما دفع الكثير ممن سألتهم عن القصة إلى القول بأن هذه الأحداث قد وقعت بالفعل ، لكن ليس لدينا دليل مباشر على وقوع هذه الأحداث .

بيت الشراقى فى "حوض ناجيح"

نقطة أخرى وهى كيفية تعامله مع رجل البوليس نفسه ، فالقصص البوليسية إما أن تسند البطولة لشخص عادى يكتشف الجريمة ويظل يلاحق بنفسه المجرمين إلى أن يأت المشهد الأخير بالشرطة تحاصر المكان بعد أن يكون البطل أنهى مهمته ، وبالتالى فهو يضع رجال الشرطة موضع العاجز والضعيف ويفقد المجتمع الثقة فيهم ، أو أن تأت القصة برجل البوليس نفسه كبطل ، وفى هذه الحالة يصبح هو الخارق الذى يدمر كل ما يقف أمامه و تسخر له كافة الإمكانات فى سبيل القبض على حفنة من المجرمين ، فيحول كل من حوله إلى مجرمين ، هذه الثنائية الضيقة قد تخلى عنها الكاتب تماما ، وأحدث نوعا من الموازنة بين المحقق وبين البطل وحتى عموم الناس ، هذه المصالحة جعلت القصة تسير فى إطارها الطبيعى فالشر فى الأصل هو الشاذ الخافت الذى تحاصره الناس ، والناس تنتظر أيضا من يقودهم لمعرفة هذا الشر والقضاء عليه .

وتبقى نقطة أخيرة وهى كيفية تناول القيمة الدينية فى القصة ، فعلى عكس من ينادون بالأدب الإسلامى ، فإن القصة لا تتبع هذا المنهج مطلقا ، بل هى تتسع لأكبر من ذلك ، ولكنها لا تغفل هذا الجانب فتقدمه فى شخصية بطل القصة "الشيخ سالم" الرجل الذى لم يتكلم كلمة واحدة عن الدين أو الشرع طوال القصة ولكنه فى النهاية سلم رسالة قوية للقارىء فى النهاية تجعله يحترم فكر هذا الرجل وعقله والتزامه الدينى ، بل وجانبه العاطفى أيضا الذى هو أحد مكوناته .

3- تجربة التحقيق :

الصفحة الأولى من المخطوطة

بعد إتمامى لدورة متخصصة فى التحقيق على يد أكبر أساتذة تحقيق المخطوطات فى العالم العربى ، لم أكن أتوقع أننى سأجد مخطوطات تحتاج للتحقيق فى الفترة التى أهتم بها فى دراستى للماجستير فى قسم التاريخ والحضارة الإسلامية بكلية دار العلوم ، حيث أرى كما ذكرت سالفا أن تاريخنا الحديث لم يكتب بعد ، هذا التاريخ الذى يبدأ تحديدا من سقوط الخلافة العثمانية (1924) إلى الآن ، وأقصد هنا كتابته على وتيرة واحدة متناسقة خالية من الدس والتدليس الوطنى لكل دولة من الدول الإسلامية المنفصلة ، ولكننى بالفعل وجدت أن قصة جدى هذه تدخل ضمن المخطوطات ، وغيرها المئات والمئات ، وتحقيقها يعد أيسر بكثير من تحقيق القديم ، ولذلك أرى أن حركة تحقيق شبابية قد تثرى هذا الحقل ، وتربط الأجيال ببعضها ربطا حقيقا ، إذ أن غاية كل هذا الأمر هو أن نؤمن حق الإيمان بأننا غير منفصلين عن تاريخنا القديم (قبل الخلافة) وأن لنا أجدادا مباشرين يحق لنا أن نعتز بهم وبإنتاجهم العلمى والثقافى الذى يجب أن يخرج للعالم بأسره .

وتجربتى هذه قد سلكت طرقا بسيطة للغاية ، فقد حصلت على نسخة من المخطوطة منذ عامين ، وبحثت عن نسخ أخرى عند معارف وأصدقاء المؤلف فلم أجد ، ومعظمهم تعرف على خط المؤلف وأثبتها له ، وهى تقع فى ثلاثة وعشرين صفحة من القطع المتوسط (A4) مخطوطة بقلم حبر بخط الرقعة على ورق مسطر (فلوسكاب) ، وفى الصفحة الأخيرة من المخطوطة (والتى أصابها بعض الطمس) نجد كلمة : انتهى ، وتحتها إمضاء المؤلف .

هناك بعض العلامات القليلة فى النص المحقق ، فهذه النجمة ( * ) تدل على نهاية الصفحة فى المخطوطة الأصلية وبذلك نجدها 23 مرة فى النص ، والكلمات بين الشرطتين ( / ... / ) هى كلمات خطأ كتابيا أو صرفيا أو نحويا ، وتصحيحها فى الكلمة التالية لها بماشرة ، وليست هناك كلمة نرى أنها خطأ من الناحية السردية إلى كلمة (هذا) فى الصفحة الأخيرة من المخطوطة ، ونرى أنها أثبتت سهوا .

وهذه الأخطاء على قتلها تدل على أن القصة كتبت بداهة ، أو على الأقل لم تنقح ، لأن بعضها ظاهر جدا ، أما القوسين الفارغين فى الصفحة الثالثة فهكذا جائت فى نص المؤلف ، وهى دليل آخر على أن تجربة المؤلف لم تكن مكتملة إذ أحجم عن كتابة اسم لنقطة الشرطة التابع لها الحادث وإن أخذت كل شخصيات القصة أسماء لها ، أى أنه حاول أن يطلق القصة من القيد الصارم للزمان والمكان ، حتى ينتهى القارىء إلى أن القصة تدور فى قرية مصرية ما ، فى وقت ما فى ثلاثينيات القرن الماضى ، وهى المعلومة التى استقيناها من ثمن حلى مسروق قدر بخمسة عشر جنيها .

الصفحة الأخيرة من المخطوطة

وبعد فإننى معترف بأنى مقصر غاية التقصير فى إثقال قلمى قبل كتابة مقدمة التحقيق هذه ، ولكننى أسفت أن يتم نشر المخطوطة بلا أن أطلق هذه الصيحات الثلاث التى ستجد لها أهلا خير منى على أى حال ، هذه الصيحات البحثية الثلاث هى :

- أن نبحث عن رجال الحركة الإسلامية فى الأدب وفى الحياة وندمجهم فى تاريخنا الحديث .
- أن نبحث عن نظائر لهذا النوع الأدبى من القص ، وأن يسلط الضوء عليه نقدا وتأليفا .
- أن نخلق حركة تحقيق شبابية تستطيع التعامل بسهولة مع تراثنا غير البعيد .

النص

الذئب المزيف

10‏/8‏/2009

رحم الرجال


الظلام يلف الليل ، سكون تام إلا من وقع الأقدام التى تقتادنى من حولى ، نصعد درجات ونهبط أخرى ، أوَّجه لليسار تارة ولليمين أخرى ، وقد ربطت على عينى عصابة يخال واضعوها أنها عصابة من يلقى حتفه ، وأحسبها أنا ربطة أنيقة غميت بها عينى لأفتحها على حبيبتى التى لطالما حلمت بها ، بحضنها .. بأول لقاء بيننا حين أهوى جاثيا أقبل الأرض من تحتها ، وبعد ردهة طويلة أخيرا استوقفونى وزالت العصابة من عينى لتبصرها أمامى .. ساكنة سكون الليل .. هادئة هدوء السماء .. ثائرة ثورة البركان ، ارتميت فى حضنها وانتظرت أن أسمع ذلك الصوت حتى أهوى عليها بقبلتى

ذلك الصوت الذى لا مثيل له سابقا سوى ذاك الصوت الثائر الصاخب .. صوت أول رصاصة تخرج من سلاح أحمله فور أن سمعت صيحة أصحاب أعز أرض وطأتها " الله أكبر .. الله أكبر "

ذلك الصوت الذى لا مثيل له لاحقا سوى ذاك الصوت الحانى الرائق .. صوت أول قبلة من شفتاى على يدها الرقيقة فور أن يردد الجمع من حولنا " بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما فى خير "

ذلك الصوت يكاد ينطلق الآن وقد أرهفت له سمعى ، المتراس الغليظ يتحرك ببطىء ويستمر إلى أن يحكم زمامه على الباب الحديدى ثم تنطلق زغردة المفاتيح فى الأقفال قفلا بعد آخر حتى إذا سكن الصوت ثانية وصحبته ضربات الأقدام مولية هويت من فورى على أرض الزنزانة العارية أقبلها وأسجد بين يدى المولى سجدة الشكر على أن اصطفانى إلى رحم الرجال ..


رحِم الرجــال

قريبـا على البيـــــــــــــــــارق