1‏/9‏/2015

حكايات عادية

المرة الأولى التى كتبت لها فيها هنا كانت لأننى أردت أن أستأنف الكتابة لها فقط، والمرة الثانية كانت بمناسبة مرور عام على وصالنا، أما الآن، فليست هناك مناسبة، هى المناسبة فى كل يوم عادى 

صباح يوم جمعة صليت وذهبت لأوقظها، إيقاظنا المحبب لقلوبنا، همسات وأحضان كافية جدا لتوقظ فينا الحياة بعد السبات، تأخذ النفس الأول من أنفاسى، وتلمح النظرة الأولى من عينها عينيى، وتسمع الصوت الأول فى أذنها صوتى، هذا هو صباحنا الأثير إذن 

نذهب سويا إلى إعداد الفطور، نوزع المهام سريعا: عليك تسخين الخبز، عليكِ تحضير الفول، اغسل لى صحنا، ناولينى السكين، املأ لى القدر، اشعلى النار تحته، الشاى، اللبن، السكر، المعالق، الأكواب.. كل شىء يدور هنا مع حكايات الصباح عن أحلام الليلة الماضية، أو عن الكلام الذى تذكرنا أن نقوله الآن رغم أننا قد طال بنا الحديث لثلاث ساعات بالأمس قبل النوم، ولكن دائما يكون هناك جديد فى تلك الرحلة القصيرة! 

على السجادة المموجة بدرجات الأخضر والأزرق، عشب وماء تحاكيه، وتحت أقدام الستائر المهفهفة نتناول الطعام، ونحتسى الشاى ممزوجا بقطرات اللبن، وأرقب عينيها وهى تحكى بشغف.

قلت لها فى هذا اليوم أننى لا أعترف بأنك زوجتى، أنت على الأرجح مخطوبتى، حبيبتى التى أقابلها بعيدا عن العيون، أشعر الآن وأنا أتحدث معك على مائدة الإفطار أننى أظفر بهذه الدقائق، نفس شعور الحبيب المحروم من حبيبته، أو العاشق الملوع بعشيقته، لا أشعر أنه حدث صباحى عادى، حق مكتسب لى ككل الأزواج، ربما أريد أن أدخل إلى حسابى وأكتب: اليوم أفطرت مع أسماء فى الصباح، وأضع وسم (يشعر بالسعادة)، أو أن أكتب بيتا من زمرة "إن العيون التى فى طرفها حور" أو "سقانى الهوى كأسا من الحب"، وعلى الأغلب لن أستطيع، لأن من يقرأ كلامى لن يظن إلا فتى فى بدايات حبه، ذاق ولم يعرف بعد! 

فما بالى ذقت وعرفت وأدمنت، وفى كل مرة أستيقظ فى الصباح أشعر أننى أذوق لأول مرة ثم أعرف فى نفس اللحظة ثم أكتشف أننى ما فتئت مدمنا لقلبك! 


فى المساء كنا على موعد زيارة عائلية، ارتيدنا ثيابنا، كويت لها الطرحة ووضعت لى العطر، تمرّينا ببعضنا البعض (أى وقفنا أمام بعضنا البعض وبدأت أناملنا فى وضع اللمسات الأخيرة كأننا أمام المرآة)، ثم تأبطت ذراعى ونزلنا من البيت، هفهفة الهواء وشجرات الورد وصوت البوابة حين تنغلق وعبور الشارع وإيقاف سيارة أجرة، كلها مشاهد عادية، لكننى أظل بها مفتونا إذ هى معى، بجوارى، تشاركنى حياة عادية. 

لم نركب أى مواصلة مع بعضنا من قبل إلا وظللنا طوال الطريق نتحدث، نخفض صوتنا حينا، ويعلو منا حينا آخر حتى يكاد يفضحنا، أقبض على يديها وتقبض على ذراعى، ونستمر فى الحديث إلى أن نصل، قد نصل إلى المكان، لكننى لا أعرف كيف أصل معها أبدا إلى نهاية حديث لا يُمل! 



عندما جلسنا مع ضيوفنا كانت لى التفاتات نحوها، كالتفاتات فتى يحاول أن يشعر فتاة فى المجلس أنه يهتم بها، يريد أن يلفت نظرها فقط، وعجبا كانت تفعل نفس الشىء، أسماء تعرف نظراتى جيدا، تعرف الآن أننى أنظر إليها نظرة إعجاب، فتستحى قليلا، تتفتح وردة حمراء فى خدها وتشغل نفسها بالكلام فى أمر ما وتصرف بصرها عنى حتى لا نتوه أكثر عن الناس، ويُفتضح أمرنا 

كان هذا صباح ومساء يوم عادى، ومن كثرة الأيام العادية استعصى على أن أحصيها، الجمال يتبعه جمال ويزداد جمالا كل يوم، فيصعب أن تتذكر منه إلا ما تحكيه مرة أخرى أو تكتبه، تعلقه على ورقة لاصقة على الثلاجة، أو تكتبه فى دفتر بمناسبة سنوية، أو تحكيه فى آخر اليوم بحميمية، حميمية يزعجنى فيها كما صرحت لها فى هذا الصباح أنا ما زلنا غير قادرين على الامتزاج بعضنا ببعض، أسماء: كيف أستطيع أن أغوص فيك لبعض الوقت ثم أخرج مرتويا !

قلت لها أيضا منذ يومين أننى لا أشعر أن بيننا أى أوقات مفضلة، أو ذرى مرتب الوصول إليها، أشكال نمطية للسعادة، أو أفعال محددة للفرحة، لا مواعيد للشراب أو الطعام أو أحيانا النوم، لا توقيتات للخروجات والفسح والسينما، كل شىء يسير بانسيابية مفرطة، لا نشعر بأن شيئا استوحشنا حتى نكون قد قمنا به قبل أن نصل إلى هذه النقطة بلحظات، ولا نتخيل أن شيئا ما يستحيل حدوثه أو الشعور به فى وقت ما إلا وتفاجئنا الأيام أن ذلك يحدث، ويدهشنا أكثر وأكثر

للعجب تذكرت الآن أن اليوم رغم أنه عادى، إلا أنه أيضا يحمل ذكرى حُلوة، ذكرى نشر أغنيتى لك، ذكرى صوتى الذى صدح عاليا أمام الجميع هى أنت، كنت أتسائل يومها، هل أقولها لك أمام الناس، أم أقولها أمام الناس لك، كنت أشر أن النيات والرغبات متداخلة، وكانت هذا يؤذينى وأغلب الظن كان يؤذيكِ أيضا، أما اليوم فإننى على حالى القديم، أريد أن أكتب لك الساعة وكل ساعة "هى أنت"، أريد أن أكتب كيف أنك كنت لى طيلة هذه الشهور كما لم أتمنى يوما، أنك تهوى وجودى حقا، أن نظرة منك وابتسامة حب تجعلنى أفعل أى شىء وكل شىء بلا كلل، أن الزمن يتوقف والخلود يبدأ فقط عندما أكون بين يديك، عيناى فى عينيك، آه وألف آه.. وغذا العيش فسحة فى الخلودِ

نسيت أن أقول أن الكانولونى اليوم كان رائعا، وقبله الحواوشى كان فاتنا، أما المسقعة فقد وفيت حقها، أما كل يوم فمعك له قصة حب ونظرات وكلمات وأكلات وأفلام ونقاشات وحكايات مستمرة، شغف متصل بشغف، كاتصالى بكوب المانجة المحفوظ فى الثلاجة الآن نختتم به يوما جميلا آخرا 

أكتب الآن لك، رغم أننى ورائى عمل وتقارير نهاية الشهر على أن أسلمها، لكن هذا التقرير هو أجدر بأن يسلم إلى قلبك، وقد كتبت العنوان عله يصلك وأنت فى أوفر صحة وأحسن حال .. 

محبك، أحمد

7‏/8‏/2015

عام من العشق ..



مِلتُ فلما تعلقت هويت .. وأحببت فلما كلِفت عشقت .. هكذا كنت نصفا يهوى إليك، تجذبنى لك كهرباء الحب التى تخلق مجالا من الولَه المغناطيسى حولك، مركزه عيناك ومداره روحك كلها .. نصفُ ظن أنه عندما يلتصق بك فى لحظة العشق سيصير كلا، كما منّى نفسه دائما، لكن الأمر لم يسر كذلك تماما


كلا بل، صار حال الاندماج عاشقا أو معشوقا، أحدث الانجذاب حسرا أو مدا فى نصفه الجامد عبر السنين، لا يمتد إلا بقدر ما تُفسحين له ولا ينحسر إلا بقدر ما تغوصين فيه، حتى إذا تشكلت المساحات من جديد أصبحنا واحدا على الحقيقة اثنين مجازا، فلا يرى نصفى أحد إلا ويعرف من انحناءات أحرفه أن له نصفا يعشق به وفيه، ولا أراه أنا إلا وأعرف من نتوآت روحى ومنحدراتها أنها لا تجمُل إلا بك!


هكذا صار حالى عندما صرت إليك، أصبحت لا أعرف كيف أحب أو أكره، أقطّب أم أمزح، أكتب أو أصدح، دون أن أفكر بك وفيك، فأصبحت قرينى من الإنس والجن معا، تنتقلين معى عبر المكان والزمان بلا قيد ولا شرط، بلا حد ولا سد، مفتوحة نوافذى عليك من كل ثغر لا يرِد عابرٌ أو يشرد خاطرٌ إلا وتعرفينه معرفة نفسك التى بين جنبيك! 


وقد كنت أظن أن هذه الحال لا تلبس أن تخف رويدا رويدا، فيحل السكن محل الشغف، والطمأنينة محل الشوق، والدعة محل التلهف، فإذا باللهفة والشوق والشغف فى ازدياد، وإذا بنسيم الريح تقول عنى - هذه المرة - لرشاها: لم يزده الورد إلا عطشا، لكنه ليس عطش المخُوف الموعود بالسراب، وإنما عطش الطامع الطالب بالمزيد فى دار كتب الله علينا أن كل ما فيها ناقص، ولديه التمام 


تعرفين .. كنت دائما أتسائل عن الحب العذرى، عن علاقة تلك الروح بالجسد، لمَ نحتاج الأجساد طالما كانت الأرواح موصولة، لكننى عرفت منذ العقفة الأولى لخنصرى بخنصرك أن تلك الأجساد التى أودعها الله أرواحنا ما هى إلا رسلٌ لها وعنها، تبلغ رسالات قد عجز الكلام عن إيصالها، ومعان قد قصرت العيون عن تبيانها، نعم عرفت منذ القبلة الأولى على يديك كم كانت الأحرف حبيسة معجم لا يبين، وكم كانت ذرات الهواء الحاجزة بيننا سجانة فيوض لا تلين! 


 اختلاط أنفاسى بعطرك، إلقاء رأسى فى حجرك، مسح دمعة تنحدر على خدك، ضمة منى عندما يُرِح على صدرى رأسك.. من لى بمتع فى الحياة أعظم منها ولو أن لى حمر النعم لما أغنت غنائها، ولا قربت منها، فإنها من فُسح الخلود التى أخبرتك عنها أول يوم، فإن حالها حالٌ وحده دون الدنيا كلها، فيه اللحظة ساعة، والساعة لحظة، فيها يخرج الزمن عن زمنه ويصير وحده دون حساب ولا عتاب.


وحتى تلك اللحظات التى تستبد بنا الحياة وترينا من شرها، وشر ما تبثه بين المحبين فيها، فإن اللحظات التى تليها - بعد أن تذهب سورة العتاب عنا - لا أحسب أنها تفرح لنا بقدر ما تحقد أكثر، ظنا أننا نكيدها، وما عرفت أن ما بيننا لا يذهبه حقد، ولا ينقطع به سبب. 


أى وسمائى .. تعرفين، حتى بعد بلوغ المرام منك، لم أمل صغيرة منك ولا كبيرة، ما زالت عيناك تأسرنى وأسرح فيهما حد التيه فى المهاِمه، وما زال صوتك يأسرنى وأطرب منه حد السكر من الأقداح، ما زالت مشيتك إلى تدهشنى دهشة فتى يَلقى فتاته للمرة الأولى، ما زالت التفاتاتى إليك - نعم - كلها حلوة كاللقاء الأول !


ما زلت وما زدت إلا أن أحب حبك، والحياة قربك، والشغف بكل شىء معك، السفر والترحال أو المكوث على الأريكة نشاهد الأفلام، الوصفات الجديدة فى المأكولات أو الحلوى اللذيذة من المحال، الباقات لك من بائع الورود أو القنينات لى من بائع العطور، كلمات الحب المعلقة على باب الثلاجة أو أبيات الشعر المرفقة فى دفتر استذكار، السهر حتى الفجر أو النوم حتى الضحى، الضحك حد التعب أو الكلام حد الصباح .. تقليب الذكريات وما فات، أو خيالات المستقبل وكل ما بيننا هو آت 


تعرفين يا فتاتى، عامك هذا لم يكن لى عمرا من فراغ، فقد أنشأت خلقا آخر على يديك حقيقة لا مجازا، قد كنت مندفعا حد السيل فأجرانى الله على سدودك نهرا لا يُغرق فيُهلك ولا يزم فيجف، قد كنت جاهلا بالنفوس والقلوب أقول فيها بغير تجربة ولا معرفة فعرفنى قبلك يا أسماء عن البشر ونفوسهم، وتعملت فى مدرستك ما لم أتعلمه عنهم طوال عمرى، قد كنت ما تعلمين، والآن بعد عام أصبحت ما تعرفين، يمر علينا الحدث فأقول فيه برأى غير رأيى القديم فتبتسمين: لقد تغيرت يا أحمد ! 

تعرفين أيضا.. تفاصيل ذلك العام من أول اليوم الذى احتشد فيه الناس إلينا من كل حدب وصوب إلى اللحظة التى أكتب إليك فيها كلها الآن أشعر أنها سبك واحد محكوم، تتداخل فيه التهانى والتبريكات بالزغاريد والزينات، التجهيز والسعى وراء الشقق والأثاث والمرافق والعمال، الفرح والأهل والدعوات، سيوة واسكندرية، أو الحاكم والسلطان، النافورة الراقصة أوهواء النيل العليل، كلمات الأغانى التى تحبين أن أغنيها لك مع ألوان الخُمر التى تقفين لتحكيمها على رأسك وتسألين، هل يعجبك ؟، انحناءة جسدك على لوحة ترسمينها على طرف الفراش أو غلاف رواية تركتيها على المقعد الهزاز قرب الشرفة، صينية البطاطس باللحم من يديك أو الملوخية وورق العنب، خبز ولبن وطماطم ولا تنسى عشر بيضات فقد نفذ البيض يا أحمد، العباءة المغربية والخواتم الفضية وهذا أو ذاك أليق علىَ يا أسماء، التشيز كيك فى سلينترو أو عصير البطيخ من سيتى درينك، الساعات الطوال من المكالمات إذا غبت عنى يوم أو يومين، التفنن فى الاعتذار بين كل خطأ وخطأ حتى أرضى وترضين، كل التفاصيل الصغيرة عشقتها معك فى ذلك العام.

عام من عشقك يا سمائى .. عام من الأيام الحلوة التى لم يمر منها يوم إلا قلت قد بلغت، تالله قد جربت اليوم لذة لم أبلغها قط قبل، فأبلغ فى اليوم الذى يليها ما يذهلنى عنها ويعرفنى أننى لم أصل بعد، فالحمد للمنان على ما امتن به على عبده، والحمد للوهاب على ما وهب به أمته، الجنة نسأله، والستر والعفو منه نطلبه.. أدامك لى، هنا فى هذه القنطرة، وهناك فى المنتهى.. حيث أنت والنعيم إلى أبد الآبدين