24‏/12‏/2008

أسلم .. لؤلؤتى فى عقدكِ الجديد


1430 - 1440 .. 22 - 32 ، الرقم الأول والثانى يعبران عن فترة زمنية من عمر هذه الأمة ، قد قدر الله فيها من الحوادث ما قدر ، ومن أنصبة الرجال منها ما قسم ، والثالث والرابع يعبران عن فترة زمنية من عمر هذا الفتى ، يستشرفها آملا أن يكون من أوفر رجال الأمة نصيبا بحوادثها .. حوادثها النهاضة الطالعة ، أن يكون درة من بين الدرر والجوهر المنظومة فى هذا العقد الجديد من عمرها ، علها تفخر به يوما من الأيام ، كما يفخر بها فى كل الأيام .

يقظة فصحوة ثم نهضة ، رؤية أراها أصبحت ضربة لازب ، فالإسلاميون اليوم يدركون - أكثر من أى وقت مضى - أن دور النهضة قد أصاب هذه الأمة ، وأن ثمر الصحوة قد أصبح يانعا ، فانطلق - من وعى منهم ذلك - إلى الدرب يحث الخطى ، ومن خاف أدلج ، من خاف ألا يكتب فى السابقين إلى النهضة ، أدلج إلى طريقها وهى لا تزال فى بكورتها ، وإن حسن البنا ذى الاثنين وعشرين عاما حين كان يضع مشروع الصحوة للأمة ، لهو عشرات من الشباب الآن يخططون وينفذون عشرات المشاريع النهضوية ؛ فبقدر ما يتم التخطيط والتأطير لهذه المشاريع من القيادات الإسلامية الشابة ، بقدر ما تـُستنفر كافة الطاقات الإسلامية لتنفيذ هذه المشروعات ، وهذا عين ما أحدثكم عنه .

فـ " أسلم " هو فكرة مشروع من هذه المشاريع ، مؤسسة علمية شبابية ، تزيل الفجوة بين الشباب اليوم ، وبين العلوم الشرعية ، وتحاول أن تعمل على شريحتين ، شريحة نوعية من الشباب يرتبطون بهذا العلم ، ويلتحمون بقضاياه ، ويكتسبون أدواته ، وشريحة كمية من الشباب أيضا يـُنقل إليهم هذا العلم بشكل ثقافى ، ولكم هالنى أن العلوم الشرعية التى لا تدرس إلا فى جامعة الأزهر ثم كلية دار العلوم بعيدة كل البعد - حتى فى لغتها وصياغتها - عن أفهام من هم خارج هاتين المؤسستين ، اللهم إلا من شباب الحركة السلفية ، والفاهمون منهم لهذا العلم قلة ، على كثرة المتلقين له .

وأول ثوب خرجت فيه الفكرة هو ثوب " نموذج مجمع البحوث الإسلامية " ، وهو ثوب يتماشى ونمط نماذج المحاكاة المتبع فى كليات الجامعة المرموقة ، لكن المشروع بالطبع لا يقف عند أطراف هذا الثوب ، بل يتعداه ويتخطاه ، وتظل الرؤية التى وضعها مؤسسو النموذج من أن نكون أهم وأفضل مؤسسة فى هذا المجال على مستوى العالم الإسلامى فى غضون ثمان سنوات - تظل هذه الرؤية هى الحاكمة للفكرة ، والدليل على أن المشروع أوسع من هذا ، لكننا نعتقد أن البداية بهذا الشكل قد تكون موفقة من ناحية ، آمنة من ناحية أخرى ، لافتة من ناحية ثالثة .

الرسالة التى يمكن أن أضعها على رأس هذا المشروع هى : الانطلاق إلى آفاق الفكر الحضارى الإسلامى من خلال جيل يتخذ من المعرفة والبحث منهجا للتفاعل والتعايش مع قضاياه ، ومن العمل فى المجتمع المدنى وسيلة لتدعيم مسيرة النهضة الإسلامية المعاصرة ؛ وأنا على وعى بكل كلمة كتبتها فى هذه الرسالة ، فالانطلاق الآن - كما قلت فى البداية - أصبح ضروريا ، وحث الخطى لا بديل عنه ، والفكر الحضارى الإسلامى الذى نتحدث عنه منذ فترة ليست بالقليلة ، تـُرى آفاقه على بعد البصر ، وآلية الوصول إليه لا تكون إلا عبر جيل يؤمن بالمعرفة والبحث العلمى كمنهج للتعامل مع كل قضاياه من الناحية الفكرية ، لا الغوغائية ، أو ثقافة العشوائيات المتبعة الآن ، وأيضا يؤمن بـ" العمل المدنى " وسيلة للتواصل مع المجتمع ، ولتطبيق مشاريعه الفكرية والنهضوية على أرض الواقع .

صحيح أن الفكرة ما زالت فى بدايتها ، وأن المشروع أمامه الكثير من الوقت كى يرى النور ، لكنى اريد أن أطلق طاقة المشروع فى الفضاء الإسلامى علها تدوى هنا أو هناك ، فتكون أبلغ وأقوى ، وقد انتهى المؤسسون إلى صياغة المشروع بالشكل الآتى :

الرسالة :
أن نخدم الفكر الاسلامي بجيل من الشباب يبحث في العلم يطبق في الواقع.

الرؤية :
أن نكون أكبر وأهم مؤسسة شبابية تهتم بقضايا الفكر الإسلامى فى جيلنا ، على مستوى القطر المصرى خلال ثلاث سنوات ، والعالمى فى ثمانية أعوام .

الأهداف :
1- توعية الشباب بالمشكلات التي يواجهها الفكر الإسلامى ، والمحكات التي يتعامل معها على كافة المستويات .
2- خلق حركة بحث علمي وتجريبي ، تجعل الطالب أكثر تفاعلا مع العلوم الإسلامية ومشكلات المجتمع في آن .
3- اتخاذ الفكر الحضاري الإسلامي وسيلة للتعليم والتثقيف والتعايش.
4- إيجاد مناخ جديد من العمل للدعوة الإسلامية على مستوى الشباب بعيدا عن الأهواء الحزبية .
5- تخريج كوادر يمكنها ريادة حركة الإصلاح والتغيير داخل المؤسسات الدينية .

قد لا ترون المشروع قريبا فى ثوبه الأول الذى اخترناه له ، ولكننا على يقين أنه سيكون واحدا من أهم المشاريع النهضوية القابلة فى هذا العقد من عمر أمتنا ، وننتظر من يشاركنا الأمل والعمل .



شارك فى هذا العمل

أنس السلطان - أريج مصطفى - أسامة حسن

30‏/9‏/2008

كل عام وأنت حبيبتى


يقوم المصلون تلو الإقامة ، يصطف المصلون خلف الإمام ، يكبر المصلون ، يركعون ويسجدون ، مرة ومرتين ، ثم يسلمون ، وتنطلق الصيحات تشق سكون الليل الآذن بالرحيل ، تنطلق الصيحات لا لتعلن عاما جديدا ، ولكن لتعلن عاما متجددا .. من حبى لها .

تعرفت عليها منذ أن كنت فى الرابعة عشر من عمرى ، كانت أول لقاءات بيننا منذ سبع سنوات ، كان الأول يحمل عنوانا "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" ، والآخر " شهداء على الطريق " ، والثالث "الحلم العربى" ، وتوالت بيننا اللقاءات بعدها ، نمى حبى لها فى نفسى وعقلى ، وسما بهما ، وقررت مبكرا أن أعبر عن هذا الحب ، وأن أصارحها به ، لم تستغرب ، ولم تستنكر على صغر سنى ولا قلة زادى ، ولا ضعف بنيتى ، قالت لى : لقد نجح من هم فى مثل سنك فيما ترمى إليه ، لم يقعد بهم سنهم ولا زادهم ، إنما تقعد الهمة بالمحب وتقيمه .

ومنذ ذلك الحين وقد نصبت همتى فى حبها تلميذا ( إعداديا ) أحاضر من أجلها فى صفى الذى لا يتجاوز أربعين طالبا من سنى ، ثم طالبا ( ثانويا ) أصدح باسمها كل صباح أمام الطوابير المدرسية ، علنى أ ُشرب حبها فى نفوس زملائى كما أشربت به نفسى ، بل ويفيض صوتى إلى المدارس الأخرى ، حتى وصل كافة المدارس فى إدارة منطقتى ، واشتد بى الحب بعدما دخلت إلى الجامعة حيث كل ينصب همته ليلاه ، وأنا لم تكن لى ليلى بعدُ سواها .

وحتى بعد أن جاءت لى ليلى تدق قلبى لم أكن لآذن لها بغير موافقتها أولا ، هى التى تقبل أو ترفض ، كنت أقول للطارقة قلبى اعلمى أن لك درة ( ضرة ) إن لم تحبيها فاتركينى ولا تأملى فى حبى ، لأن حبى لك لن يرشف أريجه إلا من زهرها ، لن يقتات حياته إلا من أديمها ، لن ينير محياه إلا من شعاعها .



لم أكن أترك موطئا أو مناسبة إلا وأتحدث عنها ، ولا وقتا يمر إلا وأعمل من أجل حبها ، وصرت فى الكلية أشتهر بافتتانى بها ، وما يزيدنى ذلك إلا غبطة وسرورا ، اشتهرت قولا بـ : صمتا .. و أى جرح .. والمسلمون ، واشتهرت فعلا بـ : المنبر ، فرسان النور ، مويك ، وأخيرا أبجد .



لكن مع كل هذا كان لها يوما مميزا دائما فى حياتى ، يوما أحس بها تداخل بجسدى ، تتغلغل بروحى ، يوم أن أسمع فيه الصيحات تنطلق : الله أكبر الله أكبر الله أكبر .. لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد .... ، أخذتُ أردد التهليل والتكبير خلف صوت أبى الرخيم من غرفته المجاورة وهو يتطيب للصلاة ، وينضم إلى صوت أخواى وأختاى ، وأمى تنادى من آخر البيت : يجب أن تأكل يا أحمد قبل أن تنزل للمصلى ، وأنا منهمك فى ربط عمامتى البيضاء ، وبعد أن أنتهى من كل مرة لا تبدو لى كما أريد ، لا تبدو لى كعمامئم الفاتحين المجاهدين ، أو الخلفاء السلاطين ، أو العلماء الربانين ، هؤلاء المحبين الأوائل ن ترى ماذا تقول عنى وأنا بهذه الهيئة ، كل ما يعزينى أنى بذلت وسعى وهذه أفضل ما وجدت ، وربطة فوق ربطة حتى ارتسمت فوق رأسى وطـُرَّ منها زيلان طويلان جعلتهما على صدرى وذؤابتيهما على كتفى ، ولما تكاملت الهيئة نزلت عينى من على موضع العمة فى المرآة إلى أن وقعت على ذلك الحزن المنطلق من مقلتين خضراوين ، و عبثا أهم بالانصراف عنها فلا ألبث إلا أن يظهر لى فى المرآة " أرودا " يقف خلفى ويربت على كتفى ، فألتفت وأرتمى فى حضنه لدقائق قبل أن يختفى ثانية قائلا : سأكون هناك دعك منى ومنه ولا تتأخر عنها ، ولكنى لم أستسلم تماما لكلماته ، حملت الهاتف من على المكتب ، وقمت بالاتصال ، وإذا بهذا الصوت المزعج الذى ما زلت أسمعه منذ أسبوع ينطلق فى أذنى : الهاتف الذى طلبته ربما يكون مغلقا .. محَرَّقا .. ميتا ، أو غير مرتاح حاليا ، يرجى عدم إعادة المحاولة مرة أخرى ، وفى كل مرة يُرجى منى ذلك لا أكف أيضا عن المحاولة ، إذن فلن تشهد عرسى اليوم ، سيحضر أرود نعم ، ولكن أيضا سيحضر بلا سيدة له ، مرة أخرى هى ليست معى فى هذا اليوم .

أحسست فجأة بخلو البيت كلهم قد نزلوا ، ارتبكت للحظات ، هل تأخرت ، هل سيشعر الناس ، يجب ألا أنسى شيئا مررت سريعا على الخطبة ، تناولت تمرات قليلة ، وأتبعتها بشربة ماء خفيفة ، وهرولت إلى الدرج أعبر العشرين بسطة ، وأقفز عند الخطوة الحادية والعشرين ، أتذكر ذلك الطريق الذى أسير فيه للمرة الثانية بهذه الهيئة ، قد مر عام على يوم عيد حبنا الأول ، يوم أن وقفت فى هؤلاء المئات من البشر رجالا ونساء وأطفالا ، شيبا وشبانا ، أحدثهم عنها عن المعانى التى قرنها الله بها ، عن معنى العزة ، وكيف أن الله تعالى يحيه فينا عاما بعد عام ، ويجدده لنا بها عيدا بعد عيد ، أحاول فقط أن أتذكر القليل من خطبة العيد الماضى كى أنطلق منه إلى خطبة هذا العيد ، يعاجلنى الناس باستقبالى وبالتهانى ، أحاول أن أركز فيما أنا فيه ، يُقذف - فجأة - المكبر إلىَّ ، هيا كبر تكبيرة أو اثنين ، وابدأ الصلاة .. أقف للحظة .. تشرئب الأعناق إلى .. تخفت الأصوات بانتظار صوت تكبيرتى ، لحظة ركود تامة للكون ، هُيأ لى فيها أن الشمس توقفت خلفى للحظات هى الأخرى ، وأرود قابع على رأس مئذنة المسجد يستنطقنى ويقول لا تنتظر .. أنطلقُ : الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله .. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد

الله أكبر فاضت من حناجرنا لتملأ الأرض من عبق الرياحين
الله أكبر كم ذلت لها عنق كانت تزل لها أعناق الملايين
الله أكبر نفديها بأنفسنا حتى تهيمن في كل الميادين
الله أكبر رددها فإن لها وقع الصواعق في أذن الشياطين

" أيها الناس ها قد فها هو العيد آتانا فى الموعد الذى لا يخلفه كل عام ، ها هو المولى عز وجل يبعثه لنا لنتفيأ من ظلال معانيه ، ونترنم من أهازيج مراميه ، وكنا قد استشرفنا فى العام الماضى قيمة الأمة التى يود الله سبحانه وتعالى أن يشعرنا بها من خلال العيد ، وأول معانى هذه القيمة ، وأوضح ألوانها أنها تتمتع بالعزة ، ذلك المعنى الذى لم يتركه النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ولا الصحابة والتابعون من بعده فى أى موقف كموقفنا هذا ، فى موقف تتجمع فيه الأمة إلا وأكدوا عليه ، إنها العزة تلك النعمة التى نستشعرها العام وكل عام ، ولكن معانى الأمة لا تنقضى ، والعيد يمدنا بها معنى بعد آخر ، ولنعد التأمل فى شعائره السامية ، لنعد التأمل فى سنة رسول الله بالصلاة فى مثل هذا الخلاء ، لم نأمر بالصلاة فى الخلاء إلا فى العيد فقط ، نترك المسجد الذى هو البناء الأول للمسلمين الذى هو بيت الله ، أشرف البقاء وأطهر البقاع ، ونتوجه إلى الخلاء ، إلى حيث لا سقف يحد طموح الجماعة المسلمة ، إلى حيث لا جدران تفصل بينهم ، إلى حيث لا أعمدة تحجب الرؤية عن إمام أو مصل ، نخرج جميعا للخلاء ، يخرج المجتمع بأكمله لأداء هذه العبادة الفريدة ، فصلاة العيد فى المقام الأول هى عبادة ، ولكنها من العبادات الفريدة بل لعلها الوحيدة التى انتدبت إليها الأمة جميعا ، فالأطفال قد تسقط عنهم الصلاة والصيام ، وبعض النساء قد تسقط عنهن عبادتهن ، والشيوخ والضعفى قد يعفون من الجهاد فى سبيل الله ، لكن صلاة العيد يندب للخروج إليها الرجل والمرأة ، والشيخ والرضيع ، والحائض والنفساء ، المجتمع كله يخرج ويشارك ، ليكون رمزا للعام كله ، رمزا على ماذا ، رمز على أن هذه الأمة هى مجتمع متكامل يعمل يدا واحدة لإقامة شرع الله فى أرض الله ، ولا يمر علينا أدب من آداب هذا اليوم إلا ويؤكد على هذه الرمزية ، حتى حديث جابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حيث قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ ، أى ذهب من طريق وعاد من آخر ، وتخيلوا معى إذا كانت الأمة كلها مأمورة بالخروج إلى هذا اليوم فإن الرجل سيخرج من بيته مع زوجه وأولاده يكبرون ويهللون فى الطريق ويعودون من طريق آخر ، لمروا على أكبر قدر من أفراد أمتهم .

إذن لنراجع حساباتنا ونرى أين نحن من المجتمع المسلم ، أين المسلمين اليوم من المجتمع المسلم ، إن الناظر إلى شرائح المجتمع التى تحدثنا عنها : الرجال .. النساء الأطفال .. الشباب .. الشيوخ ، يجد أن متى اجتمعت هذه العناصر وعملت سويا ، متى كان المجتمع ناضجا ، والأمة ناهضة ، ولنستشرف خطى أول مجتمع إسلامى ، وهو مجتمع المدينة المنورة ، ولننظر فقط إلى أول خطوة فى بناء هذا المجتمع وهى خطوة الهجرة كيف أن جميع شرائح المجتمع قد شاركت فيها ، فلم يخرج الرجال دون النساء ، ولم يخرج الشباب دون الأطفال والشيوخ ، وإنما خرج المجتمع بأكمله ليكون هناك فى المدينة مجتمعا كاملا تتعاون جميع فئاته على إقامة شرع الله عز وجل ، حتى سجلت لنا كتب السير والتاريخ عن هذا المجتمع أبهى الصور وأزهاها ، آلاف من الصحابة ومن بعدهم التابعين ، مئات من سير النساء والصحابيات ندهش عندما نقرأها ، وعشرات من الأطفال ، والشباب ، وحتى الشيوخ ، وليس بخاف عنا كم النماذج الكثيرة التى يمكن أن ندلل عليها فى كل شريحة .

وإلى جانب تلك الشرائح توجد الروابط ، وإن كنا قد عددنا الشرائح خمسا ، فإننا لا يسعنا أن نعد الروابط لأنها كثيرة كثيرة ، ولكن يرضينا أن نقطف من بستان هذه الروابط زهرة واحدة أهديكم إياها فى هذا العيد ، زهرة ارتضى الله سبحانه وتعالى عندما من علينا بالأمة أن يذكرنا بها عندما قال : " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا " أول رابط أقامه الله لكى يتم التماسك بين شرائح هذه المجتمع بعد أن كانوا أعداء هو رابط الحب ، هو رابط الألفة ، وأيضا هذا الرابط هو الذى استأثرنا به النبى صلى الله عليه وسلم نحن خصيصا ، عندما كان يجلس مع أصحابه ذات يوم ، وإذا به يشتاق لنا ، فبماذا ينعتنا وينادى علينا ، يقول لأصحابه اشتقت لأحبابى ، قالوا يا رسول الله أولسنا أحبابك ، قال : أنتم أصحابى ، أحبابى هم قوم آمنوا بى ولم يرونى ، وبرغم هذا الحب من النبى لهذه الأمة ، فإنه كان يعلم الحب الحقيقى الحب الأول الذى تبنى به المجتمعات ، أولم تنظروا إلى عبد الله بن عمرو بن العاص عندما سأل النبى صلى الله عليه وسلم ، من أحب الناس إليك ، ماذا قال ؟ ، وماذا يقول لو سألها هذه الأيام عالم من العلماء ، على أقصى تقدير لو أراد التأسى ، سيقول زوجتى ، وهيهات ، لكن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) صدح بها عالية ، عائشة ، ألم تسأل نفسك آخر مرة قدمت فيها وردة لزوجتك منذ متى ؟ ، وآخر مرة رأيت فيها تلك الوردة تقدم فى عمل درامى أو على الكورنيش أو فى أو موطن غير موطنها ، فأى الفريقين أحق بالحب ، وبإظهار شعائر الحب !

وقد يظن ظان أن هذا المجتمع هو مجتمع صنع على عين الله ، وعلى يد رسوله فأنى لنا أن نبنى مثل ما بنوا ، ولكن يقدر الله بعد أكثر من قرن أن يقوم على أرضه مجتمعا إسلاميا أيضا بعيدا عنه فى الزمان والمكان والظروف ، إنه مجتمع الأندلس ، الأندلس تلك الجنة التى دخلها المسلمون فاتحين وفرق شاسع بين دخولهم غازين ودخولهم فاتحين ، كى تتحول إلى جنة تشع علما وفنا وحضارة وحبا ، ويأت من يقل لى لا نريد مجتمعا قريب منا أكثر ، أقول لكم لن نتوغل فى الزمان ولن نبعد فى المكان سوى بعض الكيلومترات ، سننطلق إلى غزة ..

غزة ، وما أدراك ما غزة .. غزة .. ليست مجرد مساحة من الأرض لا تبلغ نسبتها سوى 1% من مساحة فلسطين التاريخية .. ليست مجرد 44 تجمع سكاني يقطنهم مليون ونصف نسمة من السكان .. خضراء .. غزة تمثل مجتمعا إسلاميا بمعنى الكلمة ينعم بالاستقرار ، هذا الاستقرار الاجتماعي يتمثل في شيء واحد ، وهو عدم احتكار فئة من المجتمع توجيه وبناء وقيادة المجتمع دونا عن الفئات الأخرى ، ففي غزة يقف الرجال في صف واحد مع النساء والأطفال والشباب .. في غزة يشارك الأطفال مشاركة حقيقية في بناء المجتمع ، وترى روح عبد الله بن الزبير الصغير ، والمعاذين تسري في أطفالها .. في غزة لا يتم الشاب فيها عشرين عاما إلا وهو متزوج وله عمل ، وله سلاح يرابط به في وجه أعدائه ، فضلا عن كونه طالبا أو مدرسا ، فالعلم عندهم ليس مرحلة انفصالية يتخم الشاب بها فترة في حياته ، ثم يلفظها دفعة واحدة بعد أول قرش يوضع في جيبه ، أو خاتم في يده .. النساء أيضا تشارك هناك في كل شيء حتى في صناعة السلاح القسامى .

ولذا ينعكس ذلك على البيت الغزاوى ، وعلى الشارع أيضا ، فلا تكاد ترى - في الشارع - امرأة بدون رجل ، ولا رجل بدون امرأة ( وهذا أيضا بسبب تعاملهم المنطقى مع موضوع تعدد الزوجات ) ، ولا أطفال متسولون ، ولا معاكسات في الطريق .. إلخ ، ولن أستطيع أن أحصى فعلا كم الراحة النفسية التي يجدها الإنسان بين دفء هذا المجتمع الذي يعيش شتى ألوان القهر
" .

أيها المسلمون .. أيها المؤمنون .. هذه هى حبيبتى التى أنثر اليوم بينكم حبى لها ، فكل عام وأنتم بعزة ، وكل عام وهى حبيبتى



أمتـى

كل عام وأنت حبيبتى

13‏/6‏/2008

الحادى .. والعشريــن


نسيمات صبح عليل تتلمس بصعوبة مسارات لها فى الغرفة الحارة ، تجول وتجول ثم تحط على قسمات وجهه الغائم نصفه فى طيات وسادة مكتنزة ، حملته رقتها المداعبة على أن يراوغ بأنفه المندس فى الوسادة قليلا ، ويترك حرارة دفئها إلى تلك النسمات المتوافدة ، قبل أن يقرر بفتح عينيه فما زال النوم لذيذا ، وما زالت أيديهم تصفق فى أذنيه طوال الليل ، لا يكاد ينقطع صوتها ، بل يزداد ويخبو ، وكلما أوشكوا على الانتهاء ابتدء آخرون ، وما زال النوم لذيذا ، وما زال التصفيق حادا ، لكن صوتا يتدخل بقوة ، يعرقل النسمات ، يباعد الصيحات ، يحاول أن يتسمع ، يزداد الصوت ، ويقترب ، ينقطع التصفيق تماما ، لكن سعادته لم تنقطع .

فلم يكد يتبين ذلك الصوت حتى عرفه ، قد كان ينتظره ، لم يعد فى حاجة إلى أن يقاوم أجفانه النعسى ، انفتحت شباكها ، كما لو قائد تفتح أمامه قسطنطينية الروم بعد عناد ، انفتحت كما لو أنها ترتاد أفق للحياة جديد ليس لها به عهد ، أخذ يبحث بنصف عين عن مصدر الصوت الذى كان قد انقطع لتوه ، فما لم تسفعه عيناه ، انطلق بيديه يعارك الوسادة .. وبقدميه ينفض الفراش ، حتى أصبح مرقده فى لحظة خال من كل ما عليه ، حتى هو نفسه وقع على الأرض من شدة المعركة .

وبعد أن هدأ غبارها بدت أرض المعركة خالية إلا من خاتم فضى صغير على حافة السرير يستقر خلفه الهاتف الصغير الذى ما إن وقعت عليه عيناه حتى انطلق صوت منبهه يخرق السكون من حوله ، فانطلق إليه يكممه : ها أنا قد صحوت .. صوت رسالتها يكفى لكى يوقظنى ، لست بحاجة إلى عشرين رنة ورنة كى أستيقظ هذا اليوم ، كنت أحتاجها قبل ذلك ، قد أحتاجها بعد ذلك ، لكننى لست فى حاجة إليها الآن ، ثم يضحك وكأنه يداعب طفله المدلل الصغير ، ويضغط على أزاراه بشده ، أنا فقط أحتاج أن أقرأ رسالتها .. الآن

الفراش ما زال خاليا ، غطاؤه فى الأرض ، وسادته فى الأرض ، يجلس أمام قائم السرير الأيمن الأمامى ، خلفه مكتبته الصغيرة التى تعتلى خزانة ملابسه ، تغص بعشرات من الكتب ، لا من كثرتها ، بل من ضيق المكان ، أمامه مكتبه الصغير تعلوه أكوام من الورق ، وهو جالس فى الظلام ذاهل عما حوله يقرأها .. يعيش معها ، كأنه يجلس فى وضح النهار ، قدماه تتدلى فى نهر ينحدر من بين الصخور ، يتثنى بين المروج والزهور ، نعم إنه يعش معها يتلمس صوتها الرخيم تغنى له :


في عامك الحادي والعشرين
يزداد خوفى .. يزداد حبى .. يزداد القلق

(خوفي !!! نعم )

خوفي اذا جاء المساء
وما أتيت مع القمر!

خوفي اذا جاء الخريف
وما رجعت مع المطر

خوفي إذا الشوق عربد داخلي
وبرغم اخفائي ظهر

خوفي اذا ما رحت ابحث عنك
ذات يوم .. ياحبيبي
ولم أجد لك من أثر

ترك الهاتف يغفو بين يديه ، حتى مال إلى قدميه ، واستقر على الأرض ، سرح بعينيه فى الظلام الذى بدأ يخف شيئا بشىء مع ضربات الضوء المتتابعة على شباك الغرفة الموصد ، أخذته نشوة عذبى : ها قد بلغت ذاك اليوم ، ها قد وجدت ما تمنيت فى هذا اليوم ، ها هى كلماتها تحيينى اليوم بعد اليوم ، ومن أول يوم أخذ حبنا درب الأمان ، من أول يوم عرف خاتمينا طريق أصبعينا ، ونحن نخلق من جديد وكأن عمرا بأكمله عشناه لم يكن إلا رحلة لهذه الأيام وتلك اللحظات ، لا أصدق نفسى أننى نجحت فى هذا ، لا أصدق أننى حققت ...

التقطه ثانية ، راح يعزف الحروف من صدى لحن رسالتها ، الذى ما زال يرن فى أذنيه :


حدوتُ عشرينا من السنين وجئتنى الحينا
فكأننى لست الحادى ولا هى العشرينا

لو علم الحادى أنك منتهاه .. لما أبطأ تلك السنينا ..

وسيظل الحادى يحدو العمر عشرينا بعد عشرينا
فى حبك وحدك .. لا تقلقى .. وإياك أن تخافينا


أرسلها سريعا ، وبعد أن اطمأن على الوصول ، وقبل أن يهم بالنهوض ، أحس بصوت غريب يعكر تلك السمفونية التى تترنم فى أذنه ، كذلك الصوت الذى كان يقطع سعادته فى نومه ، حاول أن يقضى عليه ، يفتح الرسالة ثانية ، يعاود قراءتها ، الصوت يفوح من بعض حروفها ، نعم هاهى : خ و ف ى ، ما هذا ، إنها تتكرر وكل سطر ، كل سطر ( خ و ف ) من الفراق .. ( خ و ف ) .. من الجفاء ( خ و ف ) .
يحاول أن يغالبها يحاول أن يبحث عن حروفه الأثيره : ح ب ، ع ش ق ، يجد صوتها مبحوحا وسط السطور ، قد ألبستها حروف الخوف سحابة الموت ، يهتز الهاتف فى يده ، يصخب الصوت فى أذنه ، يقرر بكل قوته النهوض هذه المرة ، يستند على قائم السرير ، تمسك يده برف المكتبة الصغير ، يتباعد جسده قليلا عن الأرض ، يهوى سريعا مرة أخرى إليها ، ينكسر الرف تهوى الكتب من الكتبة ، تتطاير الأوراق من المكتب ، تتلاطم على وجهه ورأسه ، وصوت اللحن قد صار حفيف أفاعى ، أو عواء ذئاب ، ورائحة الخوف فى كل مكان ، على كل الأسطر وفى كل الحروف ، يجد أوراقه ملوثة بالدماء ، ما هذا ؟ إن يده مجروحة ، جرحت عندما انكسر الرف منه ، يحاول أن يرفعها حتى لا تتلوث أوراقه أكثر من ذلك ، يحاول أن يتذكر كيف يتصرف لا يريد لتلك الدماء أن تلوث : كتبه ، أوراقه ، ثيابه ، خاتم إصبعه ... خاتم إصبعه ، أين هو لقد رآه الليلة مرة ، حين كان فوق السرير ، لم يره ثانية ، يقوم من فوره مذعورا ، يعتلى السرير ثانية ، ما زال فارغا ، هذه المرة ليس عليه أى شىء ، خال من كل شيء ، تروغ عيناه فى كل مكان يفتح الأنوار ، يستجيب لطرقات الضوء على الشباك ، يدور بقدمه ويقع مرة أخرى على الأرض ..

لكنه يفتح عيناه بصعوبة بعغد إغفائة لا يعرف زمنها ليجد كل شىء مكانه ، ينطفىء الضوء ثانية ، السرير يحوى الوسادة والفراش ونصف جسده ، المكتب عليه أكوام الورق ، المكتبة متخمة بالكتب ، الأرض خالية تماما ، ليس عليها أى شيء إلا نصف رأسه المنزرع فيها ، وفمه المفتوح من الكابوس المزعج .

يحاول أن يتلمس فى هدوء الحلم من الكابوس ، الحقيقة من الخيال ، يستعيد هدوءه ، ويتمدد على السرير ، ما زالت رائحة الخوف تملأ المكان ، ينظر بروية فإذا كل شيء فى مكانه تماما ، ببطء يتحسس يده ، تلمس أصابعه ، واحدا تلو الآخر ، بلا جدوى لا يجده ، لا يجد بها خاتم من فضة ، ولا حتى من حديد ، ينتشر الدمع فى عينيه ، ييبس الدم فى عروقه ، تعترى رعشة الخوف جميع جسده .

يرن صوت منبه الهاتف ، يدعه يرن ويرن ، يدعه يرن رنته الحادية والعشرين ، فلا وصل صوت رسالة يوقظه ، ولن يصل ، لن يصل .

رائحة الخوف ما زالت أيضا فى المكان حتى بعد أن فاق من الحلم ، لكنها لم تعد رائحة الخوف من الفراق .. رائحة الخوف من الفراق حبيبتى ، أضحت خوفا من تأخر اللقاء ، خوفا من عدم القاء ، خوفا من استحالة اللقاء ، وحروف الحب الشاحبة تتأبى عليها سحب السماوات أن تمطرا ، ماذا سيقول لو كتب لها سيقول :

لا تخافى بعد الآن ، ولا قبل الآن ، لا تخافى أن يهل قمر ولا آتى معه ، لا تخافى أن يأتى مطر خريف ولست معه ، لا قمرا يهل ، ولا خريف يأتى ، لأنه لا شمسا طلعت ، ولا ربيع أورق ، كل شىء جامد لا يمر .

لن يبعث لها رسالة فى هذا اليوم ، لن تبعث له رسالة فى هذا اليوم ، لن يكون سوى يوم كأى يوم ، كل ما هنالك أن صفته ستتغير من قاصر ، إلى رجل رشيد .. وطالما لم أرض بالأولى منهم فى حياتى ، فهل أفخر بالأخرى منهم أيضا ، شكرا أيتها الدولة التى يحيا فيها الفتى القاصر والرجل الرشيد سويا فى كبد .

يسكن الكون من حوله لحظة ، وتشق " الله أكبر " السكون بكل قوة ، وتذعن كل ذرات جسده للنداء ، يقوم بتؤدة يمر على صورته من تحت زجاج المكتب يوم أن كان حاد فقط بلا عشرينا ، يوم أن كان لا يُحرم حبا من عينى أمه ، ولا عطفا من يد والده ، ومع ذلك يقذف بإصبعه فى النار كثائر على طبيعة كل طفل يخشى النار ، منذ أن كان حاديا فقط ، علم أن عشرينه سوف يملؤها كلها حبا وثورة ، هو لم يضن عليها بثورة ، فلم تضن عليه اليوم بحب ، لا يعلم .

بجانب الصورة أوراق على مكتبه ، تذكره التصفيق الحاد الذى خالط أذنه طوال الليل ، ها هى إنجازاته ، حبر على ورق ، يطرب لها الناس أحيانا ، يعجب بها البعض أحيانا ، لكنها فى أغلب الأحيان لا تنتزع منهم سوى ما لا يكلفهم شيئا ، ولا يغير من حركة سيرهم فى سواقيهم شيئا ، لا تنتزع منهم سوى التصفيق ، ما فى الحياة إذن يستحق هذا الإجحاف ، ما فيها حب لعاشق ، ولا فيها من منطق لعاقل ، من فيها لا يحس بمشاعرك ، ولا يقتنع بمنطقك ، ففيم الحياة ، وفيم المما .. وقبل أن يتم كان المؤذن قد صدح بها عالية " لا إله إلا الله " .

26‏/5‏/2008

أبجد .. وأربعة أعوام من الثورة


لم يكن حصاد أربعة أعوام من ثورتى كحصاد أربع سنين من قسيمها الحب ، فإذا كان الأخير لم يخلف إلا نظرية ، تفتقر إلى التطبيق ، ولم تترك إلا نبتة تحتاج إلى عون السماء مطرا كى تشتد على عودها .. كى تزهر كى تثمر ، فإن الثورة .. ثورة ، ترفض تنظيرا بلا تطبيق ، تتأبى على خنق المحابر لها فى أعناق الأقلام ، حتى إذا ضاقت بها دفنتها بين أوراق فاتر بياضها كما الأكفان .


هذه الثورة قد تلونت وتشكلت عبر ممارسات فى أربعة أعوام جامعية ، وهى نموذج وضعته نصب عينى منذ بداية الطريق ، فالجامعة هى النواة المنوط بنا التغيير فيها ، إن نجحنا نجحنا فى الدوائر الأوسع خارجها ، فمعظم المعطيات الخارجية لها ممثل فى الجامعة بالحجم المناسب للطالب الذى يمثل المواطن العادى خارجها .


فهنا أمن الجامعة كما أن هناك أمن الدولة ، وهنا إدارة الكليات ، كما أن هناك الحكومة ، وهنا طلاب الاتحاد كما أن هناك أعضاء مجلس الشعب ، وهنا الأساتذة كما أن هناك النخبة ، وهنا أيضا معظم قوى المعارضة وعلى رأسهم الإخوان أساتذة وطلابا ، وهنا ألوف مؤلفة من الطلاب السلبيين ، كما الملايين المملينة من المواطنين الانهزاميين ، ومطالب أنت وسط كل هذا أن تثبت ما تدعيه من نظريات فى الإصلاح وسط كل هذه القوى والتكتلات ، كى تقنع نفسك على الأقل بأنك قادر على تحقيق هذا خارج أسوار الجامعة .


عضو مضطهد فى جماعة ( الصحافة ) تابعة للنشاط الثقافى التابع للاتحاد فى العام الأول ، ثم نائب مقرر جماعة أكبر منها بقليل ( جماعة الإلقاء ) ، ثم ممثل لرابطة طلاب العمل الإسلامى ( حزب العمل ) ، ثم مفصول من الكلية أسبوعا ومجرد من كل الحقوق فى ممارسة النشاط ( لمدة عام )، ثم رئيس تحرير مجلة حائط ( المنبر ) تصدر بتوقيعات رمزية فى العام الثانى ، ثم مؤسس ومنظم لواحدة من أكبر أسر الكلية ( فرسان النور ) من الباطن فى العام الثالث ، ثم رئيس لأكبر نشاط طلابى فى الكلية ( أبجد ) يعمل به عشرات الطلاب وينفق عليه آلاف الجنيهات ، ويخصص له المكاتب والقاعات بالكلية ، ويستقطب الأساتذة والوكلاء والعميد الحالى والعمداء السابقين إليه .


هذه هى مراحل هذا الصراع ، ولكن يبقى ما خلف الكواليس ، يبقى التنظير لكل هذا العمل ، عله يفيد من بعدى فى خطى التمكين للأفكار فى الجامعة ، وبما أننى أجلت التنظير للحب ، فإنى آسفا مضطر إلى تأجيل هذه التدوينة أيضا إلى حين

فكونوا بانتظاريهما .. بعد الحادى والعشرين بإذن الله

وأعتذر عن هذا التأخير

6‏/5‏/2008

للحب أنظـِّر


كأى مراهق مصرى اقتحمت بكارة مشاعره أفلام نادية لطفى وعبد الحليم حافظ ، ورشدى أباظة وسعاد حسنى ، وإن كان لا يراها فى بيته إلا خلسة ، فهى فى كل مكان مبذولة غير بعيدة عنه ، تتجدد القصة فى كل رواية وفى كل فيلم ، وما مظاهر جدتها إلا تبدل الأسماء .

كأى تلميذ إعدادى وثانوى هتكت أستار سمعه أغانى عمر دياب وإيهاب توفيق يسمعها يوميا - على الأقل فى كل مواصلة تقله من أو إلى المدرسة ، وهى أغان لا يزيد معجمها الشعرى فى أكثر من جيل على كلمات معدودة تدور حول ( حب - عشق - غرام - وتعالى - وحشنى ) !


كأى مسلم ملتزم نشأ فى بيئة ( سلفية كانت أو إخوانية ) تكتفى بالدفاع بدلا من الهجوم ، وبالتحذير من المحظور ومنعه ، بدلا من خلق المرغوب وندبه ، ولا تقاوم كل هذا ( المرئى والمسموع من المراهق ) إلا بأن غض البصر مطلوب ، وبأن الحب ممنوع ، إن لم يكن حراما فى أحد القولين ، أو ليس له وجود ، ومحض أكاذيب و( قلة أدب ) على أسوء الافتراضات .

بهذه الازدواجية نشأت كأى شاب مسلم ملتزم مصرى ، أنطلق - مما لقنت به عن تلك المشاعر - بين زملائى واعظا فيهم أنكم قوم تجهلون ، وأن الحب الحقيقى هو حب الله ، وحب رسوله ، وحب إخوتك فى الله ، و.. وفقط ، ثم يصيح ساخر : وحب الزوجة يا شيخ ، فاتحشم مجيبا ، بالطبع عندما يكون لك زوجة .



وكان التبرير الأول والأخير بصناعة الحب الشيطانية هى النظرة المحرمة ، هى التطلع على مفاتن إن سترت ، فلن يكون هناك من تحبها ، لأنك ببساطة لاتحب ، بل تشتهى ، إلى أن جاء الوقت الذى انتابنى فيه ما رآه الفتى المراهق فى أفلام السينما المصرية من غير أن أخرج عن طريق الفتى الملتزم ، وهنا حدثت الأزمة ، وهنا تبدأ الحكاية منذ أربع سنوات تقريبا ، ولا تنتهى - مرحليا - إلا فى هذه الأيام ، إذ أنهى فترتى الجامعية ، حاصدا نبت البذرة الأولى التى دسستها على وجل فى التراب قبيل امتحانات الثانوية العامة ، وأنا الآن أراها نبتة يانعة صالحة ، لا أخجل منها ، وإن لم تكن أثمرت بعد .




قريبا ..

نظرية فى الحب ..

لا تعبر إلا عن صاحبها ..

ولكنها قد تصلح للمئات من أمثاله ..

وعلك تكون منهم ..
انتظرونا ...



وحتى لا تنتظروا طويلا ..
يمكنكم أن تقرأوا هذا حتى أعود

2‏/3‏/2008

غزة .. حقائق وأباطيل

غزة ، وما أدراك ما غزة ..
غزة .. ليست مجرد مساحة من الأرض لا تبلغ نسبتها سوى 1% من مساحة فلسطين التاريخية .. ليست مجرد 44 تجمع سكاني يقطنهم مليون ونصف نسمة من السكان ..

ليست قطعة أرض يتناحر عليها أصحاب ألوية صفراء مع أصحاب ألوية خضراء .. ولا كرة لهب يتقاذفها 22 رويبضة يجلسون في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية ..

ولا طفلة مشوهة الأعضاء يشحذ عليها عشرات الفرق السياسية .. ويستجدون بها مواقف وأرصدة لحساباتهم ومصالحهم الشخصية .. ليست مجرد جرحا غائرا حين ينكأ نتصدّى ، وحين يندمل نتلهّى ، ولا مادة إعلامية يقدمها كل حسب رؤيته ، وحسب تخيلاته وأهواءه

إنما
غزة التي رأيت ، أهم من ذلك .. غزة التي عرفت أكبر من ذلك .. غزة التي علمت أقوى من ذلك .. غزة التي أحسست أعز من ذلك

ولذلك يأتي هذا العمل غير مرتبط بموقف معين ولا بقضية جزئية من قضايا غزة ، وإنما هو عمل متمم لـ " قمة حماس وقاع عباس " ذلك السيناريو الذي تنبأت به من أول سيطرة حركة حماس على القطاع ، وصدق هذا السناريو حتى الآن .

الطريق إلى غزة


الطريق إلى معرفة الحقائق من الأباطيل في هذا العمل ينبع من أكثر من مصدر :
1- زياتي الميدانية إلى القطاع في فبراير الماضي ، والتي اطلعت فيها على الكثير من الحقائق رأى العين .

2- جلوسي إلى عدد من القادة والمفكرين الفلسطينيين ، وأكثرهم غزاويين ، ومعظمهم - وليس كلهم - من حركة حماس ، وذلك في لقاءات متفرقة مكانا وزمانا في القاهرة ، وأيضا في غزة عندما ذهبت .

3- اطلاعي المستمر على كافة المستجدات في الشارع الغزاوي ، وذلك من خلال المواقع التي تنقل الصورة من قلب الأحداث هناك ، وقبل أن تصل إلى وسائل الإعلام الرسمية .

4- قرائتي للدراسات الصادرة من المراكز المتخصصة عن حالة القطاع منذ الحسم العسكري لحماس .


غزة .. التطهير الأول



12 سبتمبر 2005 هو تاريخ تطهير غزة من 23 مستوطنة إسرائيلية ، هو تاريخ لطرد 7781 مستوطن يهودي من القطاع في مشهد فريد لم يتكرر منذ إعلان دولة إسرائيل ، ولكن هذا اليوم لم يأت نتيجة خطة الانسحاب أحادية الجانب التي ظلت سنة كاملة في الكنيست حتى تمت الموافقة عليها ، ولكن كان هذا اليوم نتيجة للخسائر المتلاحقة على الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة من سلاح المقاومة الذي يتطور يوما بعد يوم ، ولكن الجديد في هذه المرحلة هو أمرين :

- الأمر الأول صواريخ المقاومة وتطورها الذاتي ، مما سبب قلقا متزايدا على مستوطني القطاع ، وهذا ما يفسر لنا اسجابة مستوطني القطاع لذلك ، وكل ما ظهر على الشاشات وقتها من الرافضين لهذا الإخلاء هو عدد قليل جدا بالنسبة للعدد الأصلي .

- الأمر الثاني هو معركة جباليا أو " أيام الغضب " كما يسميها القساميون ، هذه المعركة للأسف لم تأخذ حجمها الإعلامي المتوقع ، وتم التعتيم عليها بشكل كبير ، وهي معركة دارت رحاها ما بين 29-9-2004 إلى 17-10-2004 ، وخسر فيها الجيش الإسرائيلي - حسب اعتراف ضابط في جيش الاحتلال سابقا وعضو لجنة الأمن و الخارجية في الكنيست - ‏24‏ قتيلاً ، بالإضافة إلى عشرات الجرحى ، والأهم من ذلك أنهم لم يستطيعوا أن يدخلو معسكر جباليا في هذه المعركة ، ولم يستطيعوا أن يعيدوا احتلال شمال القطاع بعدها ثانية .

وهذا الفيلم ( قساميون في أيام الغضب ) يضع أيدينا على كافة تفاصيل هذه المعركة ، وأياضا يمكننا أن تستشف من خلاله تصورات معركة جباليا الثانية - التي سيتم الحديث عنها لاحقا - وأي معركة مقبلة عموما .



إذن أصبح المستوطنون في خطر ، وجنود الاحتلال - الذين هم حماية لهم - في خطر أيضا ، فلم يكن هناك بد من الانسحاب ، ومن هنا نفهم أنه لم يكن مجرد عطية ولا منحة للشعب الفلسطيني ولا هو " أحادي الجانب كما يسمونه " بل إنه هزيمة كبرى ، وإثبات لنتائج المقاومة بالمقارنة بنتيجة التفاوض التي لم تثمر عن شيء مماثل .

هذا التطهير إذن مهم جدا في فهم طبيعة الأرض الغزاوية الآن ، والشعب الغزاوي ، فهي أرض محررة ، والسائر في شارع صلاح الدين ( أطول شارع في غزة ) يجد عن يمينه ويساره عشرات الكيلومترات من أراضي فضاء ، قد كانت بالأمس القريب مستوطنات تقصل بين شمال وجنوب القطاع ، ويتضح ذلك مثلا عند مفترق الشهداء ( مستوطنة نيتساريم سابقا ) والذي استشهد فيه الطفل محمد الدرة ، حيث معالم المكان تبدو ممحوة بفعل تخريب اليهود لمستوطناتهم قبل الجلاء عنها .


غزة .. التطهير الثاني





كخروج أي مستعمر من أي شبر من أرضنا ، لا يخرج إلا وقد ربى على يديه قطاع كامل من الخونة والعملاء ، الذين يحافظون على مصالحه في فترة غيابه ، ويرحبون به إذا قرر العودة ثانية ، بعد أن تكون مهمتهم في ترويض الفريسة قد تمت ، وهذه حقيقة تاريخية في كل الشعوب المستعمرة ، وفي حالة الشعب الفلسطيني تكون المعادلة أصعب بكثير ، لأن الصفوف العميلة ليست فقط تسدي خدمة لعدوها على حساب شعبها ، بل هي تحافظ على حياة عدوها على حساب دماء شعبها ، وهذا هو الحاصل فمن تاريخ 25 / 1 / 2006 ( يوم فوز حماس في النتخابات التشريعية ) إلى تاريخ 13 / 6 / 2006 رصدت منظمات حقوقية ( منها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ) أكثر من 175 حالات إطلاق نار من قبل ما يسمى بالأجهزة الأمنية على مدنين ومجاهدين راح ضحيتها مئات المواطنين ، وتفاصيل هذه الحوادث وأعداد القتلى ، وأيضا المعتقلين وعمليات التعذيب كلها موثقة في " الكتاب الأبيض " الذي أصدرته حركة حماس عقب الحسم العسكري .


وأصبح من مكرور القول الآن أن ندلل على أن قضية الحسم العسكري هي عملية نظيفة مئة في المئة ( خاصة بعد تقرير مجلة فانتي فير الأمريكية الذي نشر مؤخرا ) ، وأن معظم التيار الفتحاوي هو تيار عميل من الدرجة الأولى ، ولكن ما نود التنبيه عليه ن أن غزة بعد التطهير الثاني أصبحت مدينة أكثر نقاء ، بل أستطيع أن أقول أنها البقعة الأنقى الآن بين عالمنا العربي والإسلامي ، وهذا ما سيُدلل عليه في أكثر من موضع .



غزة الحدود


وفقا للسيناريو المطروح سابقا ، فإن إسرائيل باتت تعمل من اللحظة الأولى على عزل قطاع غزة ، ليس عن الجسد الفلسطيني وحسب ، بل عن الجسد العربي والإسلامي من كافة النواحي ، ولكن يبقى أنه على الأرض لا يوجد أكثر من ثلاثة معابر حدودية متاحة لغزة ، معبرين مع مصر وهما : معبر كرم أبو سالم ، ومعبر رفح ( بوابة صلاح الدين ) ، ومعبر مع الكيان الصهيوني ( معبر إيريز ) .

أما معبر كرم أبو سالم فهي النقطة الحدودية الوحيدة التي تسيطر عليها القوات الإسرائيلية حتى الآن ، وتعتبره مغلقا أمام المواطنين والبضائع الفلسطينية ، دخولا وخروجا ، وهو المعبر الذي رفض الحجاج الدخول منه إلى قطاع غزة ، لأنهم يعلمون أن مصيرهم سيكون إلى سجون الاحتلال .

ولا يختلف عنه معبر إيريز ( على حدود شمال القطاع ) شيئا ؛ فبالرغم من أنه المنفذ الوحيد لتزويد القطاع بالمواد الغذائية والأساسية ، إلا أن الحصار أوصل بنسبة المواد الغذائية الداخلة للقطاع 10% من احتياجاته الأساسية ، أما المواد الأساسية الأخرى فصودرت تماما منذ ثمانية أشهر ، ولم يدخل القطاع منها شيئا حتى الآن .

إذن في ظل هذا الوضع الحدودي الخانق يبقى معبر رفح المخرج الوحيد للأزمة ، خاصة أنه معبر من المفترض خضوعه سابقا لعمليتي التطهير الأولى والثانية ، فبعد أن كان يسيطر عليه الاحتلال الإسرائيلي هو وكافة الشريط الحدودي بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية ، أصبح الآن محرر تماما ، ويمكنك أن تشاهد الأبراج الإسرائيلية الفارغة على طول الحدود ، كما تشاهد الدبابات الإسرائيلية المعطبة في أرض سيناء متذكرا نصر أكتوبر ، وأيضا هو محرر من اتفاقية المعابر ( 2005 ) التي تشرف عليها السلطة الفلسطينية ، وجهاز مخابراتها المتعاون بشكل تام مع الاحتلال ، بحيث يشكل بديلا عنه .

فبهذه المنطقية يكون معبر رفح هو المعبر المعول عليه في فك الحصار ، ولكن المشكلة تجلت في أن المعبر محرر من طرف واحد ، وأن الطرف الآخر ( مصر ) لا يعترف بهذا التحرير بل يتعامل بتعسف وتعنت أكبر منه حال سيطرة اليهود عليه .

ولذا فإن من المنطقي جدا أن نعرف بأن خطة نسف الحدود المصرية - وهي خطة طبيعية جدا في سياقها - تم التخطيط لها منذ ثمانية أشهر ، أي منذ استولت حماس على القطاع ، وعلمت كيف ستدار لعبة المعابر عليها ، وهذا التوقيت ليس جزافيا بل هو موثق ، وكاف لكي يقطع في كل ليلة - على مدار الثمانية أشهر - متر واحد من السور الحديدي بالأكسجين .

وقبل أن أغادر هذه النقطة أحب أن أنبه إلى أن مصر لا تتعامل حتى مع حدودها كأي بلد عادي ، ولا حتى وفقا للقوانين الدولية التي تتشدق بها ، فلا توجد دولة في العالم تغلق حدودتها مع جارتها ، إلا في حالة كونها عدوة لها في وقت حرب .



غزة الدولة

مهما سمعت عن غزة فلن تدرك أنها دولة حقيقية مستقلة إلا إذا ذهبت وعاينت ، وأحسست من أول وطأة قدم لك أنك تشعر بالأمان في دولتك ؛ فغزة تحققت لها عناصر الدولة كاملة ( الأرض .. الناس .. إرادة الناس " الحكومة " ) ، وهي بذلك يصدق عليها مصطلح الدولة أكثر ما يصدق حتى على كثير من الدول العربية والإسلامية ، التي لا تعبر حكوماتهم عنهم ، ولا تدار أرضهم بإرادتهم ، ولن أستطيع إحصاء مظاهر الدولة ، ولا لمظاهر كون هذه الدولة إسلامية بمعنى الكلمة في غزة كلها ولكن أمثل لبعض منها في هذه النقاط .

سياسيا


من أهم ما يميز الظاهرة السياسية في غزة هو حجم التسيس الشعبي ، حيث لا تجد - إلا نادرا - في غزة أناس عاديين غير مسيسين ، ليس لهم فصيل سياسي فضلا عن رأي ووعي سياسي بكل ما يجري حولهم ، وهذا قد يفسر لنا عدم انسياقهم وراء الدعاى السياسية الكاذبة ، أو ما يسمى بالتضليل السياسي على مستوى العالم ، ومن الغريب حقا أن تجد هذا العمق السياسي ممتد إلى الأطفال أصحاب الست والسبع سنوات ، حيث تجد الطفل منهم يعرف رموز العمل السياسي والجهادي من فصيله ، ومن الفصيل المقابل له ، ويذكر لك عشرات الأسماء والأحداث ، في موقف لا تجده لدي أبناء العشرين من مصر مثلا .

ظاهرة أخرى تم التضليل عنها إعلاميا وهي ظاهرة التنوع السياسي ، حيث أخذ الإعلام يفتري على حركة حماس كافة أنواع القمع السياسي في القطاع ، والحقيقة منافية لذلك تماما ، فأتباع حركة فتح الذين لم يتورطوا في أعمال القتل والسطو المسلح يتمتعون بكافة حقوقهم ، ويرفعون أعلامهم جهارا نهارا ، وأنه لا يوجد بيت في غزة إلا وعليه أكثر من علم لأكثر من حركة ، وكثير ما يجتمع العلم الأخضر مع الأصفر مع الأسود ، وهذا لا يبين حجم التنوع السياسي فحسب ، بل ونضج هذا التنوع الذي يتعايش بهذا الشكل العجيب .


أمنيا


الدولة تعني الأمان ، وشعوريا أحسست بأنني آمن على نفسي في غزة أكثر من مصر ، أما واقعيا ، فإن جهاز الأمن الوقائي قبل الحسم العسكري لم يكتف بعدم توفير الأمن ، بل تولى مهمة إشاعة الفوضى والفلتان الأمنى ، بحيث أصبح معظم الشارع الفلسطيني يحمل سلاحه أينما توجه ، ولو إلى السوق .

أما الآن فقد سنت حكومة حماس القوانين التي تغرم إطلاق النار ، أو حمل السلاح ، ولو حتى لمجاهدي القسام ، اللهم إلا في المناطق الدفاعية الحدودية المعروفة ، والتي تعرف بمواقع الرباط ، وأصبح الوضع الأمني في غزة من كبرى حسنات حماس في القطاع ، حيث يعترف بذلك أعدائها قبل أصدقائها .

اجتماعيا



استقرار اجتماعي طالما طالعت أشباهه في مجتمع المدينة في العصر الأول ، وفي مجتمع الأندلس في العصر الوسيط ، واليوم أجد بعضا منه في العصر الحديث .

هذا الاستقرار الاجتماعي يتمثل في شيء واحد ، وهو عدم احتكار فئة من المجتمع توجيه وبناء وقيادة المجتمع دونا عن الفئات الأخرى ، ففي غزة يقف الرجال في صف واحد مع النساء والأطفال والشباب .. في غزة يشارك الأطفال مشاركة حقيقية في بناء المجتمع ، وترى روح عبد الله بن الزبير الصغير ، والمعاذين تسري في أطفالها .. في غزة لا يتم الشاب فيها عشرين عاما إلا وهو متزوج وله عمل ، وله سلاح يرابط به في وجه أعدائه ، فضلا عن كونه طالبا أو مدرسا ، فالعلم عندهم ليس مرحلة انفصالية يتخم الشاب بها فترة في حياته ، ثم يلفظها دفعة واحدة بعد أول قرش يوضع في جيبه ، أو خاتم في يده .. النساء أيضا تشارك هناك في كل شيء حتى في صناعة السلاح القسامي .

ولذا ينعكس ذلك على البيت الغزاوي ، وعلى الشارع أيضا ، فلا تكاد ترى - في الشارع - امرأة بدون رجل ، ولا رجل بدون امرأة ( وهذا أيضا بسبب تعاملهم المنطقي مع موضوع تعدد الزوجات ) ، ولا أطفال متسولون ، ولا معاكسات في الطريق .. إلخ ، ولن أستطيع أن أحصي فعلا كم الراحة النفسية التي يجدها الإنسان بين دفء هذا المجتمع الذي يعيش شتى ألوان القهر .

ولكن برغم كل هذه الوقائع والحقائق فإن هناك أباطيل بشأن إجبار حماس المجتمع على التأسلم ، وهناك كتابات أخذت تحذر من تجربة مشابهة لطالبان ، ومن فرض حماس النقاب على النساء ، وإغلاقها للقهاوي ، ومنع التدخين ، وأشياء أخرى على هذه الوتيرة .



وإن كانت الواقع يشهد بأن نسبة النساء المحجبات تصل إلى 90 % ( في معظم مدن القطاع التي زرتها ) ، نصفهم تقريبا منتقبات ، فإن حي مثل حي الرمال تجد فيه الكثير من السيدات بغير غطاء رأس ، والأكثر من ذلك تجد بعض محلات الكوافير بحجمها الطبيعي ، وتجد حتى بعض الإعلانات لشركات كبرى بها فتيات غير محجبات ، مما يؤكد على مرونة حكومة حماس مع المجتمع ، وأنها فقط توفر له الجو الذي يساعده على الاستقامة .


إعلاميا


أكاد لا أصدق نفسي إذ أقول إن النضج الإعلامي عند الحركات الإسلامية في فلسطين أكثر من النضج الإعلامي عند كثير من نظيراتها في الشارع الإسلامي ، و برغم الثغر الجهادي التي تنوء بتحمل واجباته ، إلا أن هذه الحركات لا تغفل عن دور الإعلام في خدمة قضاياها .


فمن أول مئات الصور التي تملأ الشوارع للمجاهدين والشهداء يحملون أسلحتهم وينطقون بوصاياهم ، إلى قناة وإذاعة صوت الأقصى الرائعتين ، تجد العديد من الوسائل الإعلامية التي يحرص علها حرصا شديدا ، ويبذل فيها بذل عال ، ولا أدل على ذلك من فيلم ( قساميون في أيام الغضب ) الذي يكشف عن الاهتمام الشديد بتصوير كل لحظة من لحظات العمل الجهادي بطريقة ( وثائقية / درامية ) ، وأيضا الاهتمام الكبير بالتواصل عبر الإنترنت ، وتفعيل دوره الإعلامي ، في تدثين المواقع ، والمنتديات .

والعجيب أن حماس من بعد تسلمها لزمام الأمور عاظمت من هذا الدور ، وتخطت مسائل خلافية كثيرة في هذا المجال ، ما زالت حركات أخرى تخوض فيها - كالتصوير والموسيقى وصوت المرأة - لدرجة أنها حولت بعض القساميين من العمل الجهادي المسلح إلى العمل الإعلامي ، لسد حاجة الناس إعلاميا ، في وقت يشهر الإعلام الخارجي كل أسلحته في وجه غزة بالذات .



عسكريا

من مخيم جباليا على الحدود الشمالية للقطاع ويظهر عن بعد مستوطنة سيديروت

لم أكن أنوي التحدث عن تفاصيل هذا الجانب طويلا ، إلا أن العملية العسكرية البرية الأخيرة ( الشتاء الساخن ) في بيت جباليا حدتني إلى توضيح الوضع العسكري الآن في غزة ، كي يتبين آخر وأهم فصل في هذا الملف ، وإن كنا سنقصره في الحديث عن الفصيل صاحب اليد الطولى في هذا الميدان ، وهو كتائب الشهيد عز الدين القسام .

ليست كتائب عز الدين القسام مجرد مجموعات صغيرة من المسلحين ، أو أنهم مجرد مجموعة من العصابات ، أو منفذي العمليات الاستشاهدية ، وإنما هي أقرب إلى كونها جيشا بالمصطلح الحديث ، فغزة مقسمة إلى ستة لوائات في الشمال والجنوب والوسط ، وكل لواء مقسم إلى عدة كتائب ، وفصائل ، ومجموعات ، هذا من حيث الكم والتغطية الشاملة للقطاع .

أما من حيث الكيف ، فقد أثبتت الكتائب في الفترة الأخيرة قدرتها على مجابهة العدو ، وتقدمها النوعي الذي نما سريعا بعد الحسم العسكري لسببين :

1- أن المعوق الرئيسي للمقاومة في القطاع ، وهو السلطة الفلسطينية ، قد زال ، وأصبح الشعب ظهير المقاومة وحاضنها .

2- كم المعدات العسكرية - من أول السيارات المجهزة إلى المضادات الأرضية - الأمريكية الفتحاوية التي حصلت عليها حماس بعد التطهير ، وكم المواقع المشرفة على أماكن حدودية حساسة ، والتي كانت تحت سيطرة فتح أيضا .

ولذا فإن الرهان الإسرائيلي على أي حرب برية على قطاع غزة هو رهان فاشل إلى أبعد درجة ، ويكفي أن نقول بأن عالم الرباط وحده كفيل بأن يلقن أي هجوم إسرائيلي درسا قاسيا لن ينساه ، فـَليل غزة ليس كليل أي مدينة ، حيث تكون الشوارع شبه خالية من بعد صلاة العشاء إلا من عشرات المرابطين من كافة الأعمار ومختلف المشارب والمهن والأفكار ، على كل ناصية شارع ، أو عطفة حارة ، أو وسط ميدان ، وكل ذلك موزع في خطوط دفاعية ثابتة ، يصعب على العدو اختراقها ، كما يصعب أيضا على الطيران قصفها مجتمعة ، ولعل معركة جباليا الثانية والتي قتل فيها خمسة جنود صهاينة وجرح العشرات ، لهي أكبر دليل على أننا نستطيع أن نقول الآن أن لدولة غزة جيش يحميها ، وهو مستعد لحماية كل فلسطين ، وكل هذه المعلومات أعلنت من قبل وتعلن ، ولكن الإعلام يعتم ويغطي ، ولا يعطي إلا صور الجرحى والشهداء المدنيين .



إن حرب الأيام الستة - كما سماها هنية اليوم في خطابه - لهي رصيد جديد ليس لحماس فقط ، ولا لفلسطين فقط ، بل للأمة كلها ، يجب أن تفخر وتفاخر به ، وتضمه إلى سلسلة ومضات النور والنصر الحقيقية التي تلمع في سماء هذه الأمة من قتلى الجنود الأمريكان في العراق ، وأفغانستان ، ومن دحر الاحتلال عن غزة ، ومن هزيمة إسرائيل في جنوب لبنان على يد حزب الله .


غزة .. مشروع أمة





وأخيرا عندما نتكلم هنا عن غزة الدولة ، لا نقصد بحديثنا أن تستقل غزة عن الضفة ولا عن فلسطين ، وإنما نعني أن نقر بأن حماس لم تفشل ، ولن تفشل ، وأنها جديرة بإدارة فلسطين كلها ، وأن تجربة حماس هى تجربة رائدة بكل المقاييس حققت التتصور الإسلامي الصحيح لمعنى الدولة من بعد عشرات السنين من سقوط الخلافة العثمانية وإن الفرق برأيي ليس إلا المساحة الجغرافية .

هذا أولا ، أما ثانيا فإننا - نعني الإسلاميين عموما - يجب أن نتعلم الكثير من حماس ، ونعلـَم الناس الكثير عن حماس ، التي تحارب أشد محاربة في كثير من وسائل الاعلام الرسمي وغير الرسمي - خاصة بعد عملية فتح الحدود - ويفتح عليها كل رويبضة لسانه السليط ، لينال ممن لا يستطيع أن يبلغ معشارهم ، نعم فهؤلاء السياسيون العرب راهنوا عن بكرة أبيهم بفشل نموذج حماس ، وها هو النموذج ينجح ويثبت نجاحه يوما بعد يوم ، ويتخطى بثبات عقبة بعد عقبة ملقيا بثقل النصر كله في كفتين لا ثالث لهما : الحركة الإسلامية .. إرادة الشعوب ، وبالطبع فإن الكفتين ضد مصالح أي مسئول أو حاكم عربي ، وأي عميل أو عدو صهيو أميركي في المنطقة .


ولا أستطيع في النهاية أن أكتم كلمة تغص في حلقي ، ألقاها على واحد من هؤلاء في مرارة وأسى ، وهو يتحدث عن الإسلاميين في مصر - وعلى رأسهم الإخوان بالطبع - حيث يقول : ظلهم تمانين سنه من البرلمان للزنازين .. ومن الزنازين للبرلمان .. وإيش سوو ؟!

8‏/1‏/2008

غريم الشجن



لنعلن أن الخسارة ربح وأن الغريم غريم الشجن
وأنك مهما تجسدت ليلا ستصبح فجرا بلو...



لن يهدأ بهذا الغناء ، أنفاسه لا تزال مضطربة ، بقى على الموعد خمس دقائق ، قد خزن في ذاكرته جيدا كل ما يريد أن يقوله في الثلاث ساعات القادمة ، ولا يريد حتى أن يراجع ، يريد فقط أن يأتي هذا الموعد ، بل أن ينتهي الموعد.

خطواته قد اقتربت من المكان ، دلف إلى البهو ، تخلص من زحام اليوم الأول المعهود بالكاد ، التقط أنفاسه ، سار في الردهة الخلفية الطويلة التي لا يكاد يسير فيها أحد .. التهمت أقدامه الدرج في سرعة فائقة ، اقترب من الباب ، لم ينظر في أي ورقة من أول دخوله للكلية ، ليس متيقنا بأن هذه لجنته ، ليس معه حتى رقم جلوس ، ولكنه يعرف ، ليست هذه هي المرة الأولى ، ولا الثانية ، إنها المرة السابعة

هو هذا المكان بالتأكيد ، نعم اسمه هنا هو هو منذ المرة الأولى ، رقمه تغير ، بالتأكيد تغير ، لكنه لا يعرف تحديدا ما الذي تغير فيه ، لأنه لا يتذكر سابقيه ، أخذ بحركات تلقائية يخرج كل ما تحويه جيوبه ، هذه البطاقة للملاحظ ، وهذا الهاتف يغلقه ، هذه الأقلام الجديدة التي يشتريها كل مرة ولا يعرف عنها شيئا بعد الانتهاء ، يدير عينيه في المكان ، يحاول أن يهيأ نفسه ، يفتعل البسمة في وجه هذا وذاك ، وجوها ملازمة للمكان أيضا منذ المرة الأولى .

ها قد جاءت الأوراق ، يمسك بالأقلام ، يسطر اسمه الذي يحفظه ، ينقل الرقم الذي لا يعرفه ، يكتب المادة التي صحبته في كل مرة .. يقف القلم عند الخانة الرابعة ، يعييه الجواب ، ماذا يكتب ، وكيف يكتب ، لا يصدق هو ، ولا قلمه أن مرت هذه الفصول وتلك السنوات ، ما زال يتذكر أول مرة ملأ فيها هذ الخانة بكل ثقة : الفرقة الأولى ، كيف كان يشعر أن بينه وبين ( الرابعة ) بحور من الأمل والعمل ، كيف أنه خاضها ، يغالب الموج ، والموج غلاب ، يتقاذفه من فصل إلى لآخر ، يرى في الأفق يابسة ، فيها جنة موعودة ، وحبيبة تنتظر ، ولواء مرفوع ، أتراه نزل إلى الشاطيء اليوم ، إن الرحلة أوشكت على الانتهاء ، الشاطىء أمامه فعلا ، ولكنه شاطىء المجهول ، نعم كانت رحلته إلى الشاطىء المجهول .




يستفيق على ورقة الأسئلة يطالعها بنظرة سريعة ، قد رأي كل هذ الكلام من قبل في الكتب ، يطويها حتى يكمل تسطير أوراق الإجابة ، لكن عيناه قد رأتها ، رأت " أحبك " ، رأت " أنا بانتظارك " ، رأت : اشرح .. وتجربة .. وسيد قطب .. وحب

تلفظ أنفاسه بزفرة مكلومة على سخرية القدر من ذاك اللقاء الأول بينه وبين تلك الكلمات ، يوم كان يُعِد للإبحار يوم أن كان في ( سنة أولى ) يتجول في الكلية ذات نهار ، وساقته نفس الكلمات من خلف الباب " تجربة .. سيد .. قطب .. حب ، تفزعت أسماعه ، اقترب من المدرج وهم بالدخول ، حاول أقرنائه أن يقنعوه أن هذه سنة رابعة ، لم يستمع ، أصر ، دخل كالغريب ، مشدوها ، يسمع تلميذ العقاد وهو يقول عن شيخه .. كان قد فاته كثير من القصيد ، لم يعلق بذهنه إلا " أحبك من قلبي الذي أنت ملؤه " ، حفظها في سويداءه ، كانت هذه بمثابه صفير انطلاق السفينة وبداية الرحلة ، واثقا بأنه سيجد نهاية البيت السعيدة على الشاطىء ، لكنه لم يدرك ساعتها ، أن سيد قطب يقوده إلى شاطئه هو إلى الشاطىء المجهول .


ثلاث سنوات حسب أنه استطاع فيها تحقيق كل أدوات الحب ،وتمهيد كل السبل له ، فعل كل ما يطلب منه وما لم يطلب ، لم يسبح بذراعين فقط ، بل بأربعة أذرع ، دراسة ، وشغل ، ونشاط ، و.. والذراع الرابع المكسور ، وشعور ، ولكنه ما وصل .




مضت نصف ساعة ، لم يكتب فيها شيئا ، هل يكتب الإجابة التي سمعها منذ ثلاث سنوات أم يكتب الإجابة التي عرفها الآن ، لا يهم سيكتب الجابة التي في الكتاب ، لا التي عرفها ، ولا التي سمعها ، سيكتب :

لماذا أحبك هل تعلمين وما السر في الأمر هل تفكرين
أللحسن ، فكم قد لقيت الحسان فما هجن بي ومضة من حنين
أللعطف ، إني القوي العطوف فما أرتجي رحمة العاطفين
أللنظرات ، وللفتات وللسحر في مهجتي تسكبين
وشتى الخلال وشتى السمات لطالما اجتمعت للمئين
إذا فلأي المزايا يكون هواى وحبي هل تدركين


ثم يدع حيرة قطب ، ويتجه إلى العقاد أستاذه ، يكتب بلا توقف ، كالنزيف :

لست أهواك للجمال ، وإن كان جميلا ذاك المحيا العفيف
لست أهواك للذكاء وإن كان ذكاء يذكي النهى ويشوف
لست أهواك للخصال ، وإن رف منهن علينا ظل وريف
لست أهواك للرشاقة والرقة ، والأنس وهو شتى صنوف
أنا أهواك .. أنت ، أنت ، فليس سوى أنت بالفؤاد يطيف


تقف ثورته المعلوماتية ، قد فرّغ جانبا منها ، أخذ يدندن حولها ، يبين وجه النظر هنا ، وهناك ، يستعرض مدى إحاطته بالكتاب ، وفهمه للصعاب ، أخذ يحشد ويحشد بلا حساب .. مر الوقت ، كاد أن ينتهي الموعد ، أخذ في طي ورقة الأسئلة ، لم ينتبه .. السؤال لم يكتمل يوجد في آخره سؤال بريء عن رأيك : بين رأيك

عاد إلى هيئته الأولى ، يكاد يكون أصعب سؤال مر عليه في تلك الفصول ، إجابته طويلة ، إجابته غريبة ، إجابته " ليست معه " ، نعم لم تأت بعد ، عندما تأتي سيعرف فعلا ، سيعرف حقا ، إن كنتم على صواب ، أم على مصاب ، لكن ماذا يقول الآن ، يجب أن يكتب شيئا ، الوقت يداهمه ، يكاد يلمح الإجابة ، نعم إنها في عينيه ، ينطق بها صاحبه ، ينطق بها أبو عزام ، أكمل أحمد .. أكمل غناءك ، أكمل نشيد الصباح ، تمثله يا صاحبي ، فإنه أنت ، نعم إنه هو ، هو أنا ، إنه أنا .. غريم الشجن .

لنعلن أن الخســارة ربـــــــحٌ
وأن الغريمَ غريـــمُ الشجـــــن

وأنكَ مهمــا تجسـَّـــدتَ ليـــلا
ستصبح فجــرا بلون الكفــن

تكتــِّم عينُك ســـــر الدمــــوع
وفي الليل تذرف دمع العلـــــن

ففيم ارتواؤك كـــــأس الحيــاة
وما يعلُ في الكأس غير المحن


حضنت الضحايا ، ضحايا الزمان
وعند انحنائـِــــك ، لم تحتضـــن

فلا الليــــل يحرس ، نوامــــه
ولا الدار تحنو على من سكـن

ولا الخــل هدهد دمع المآقـــــي
ألقى الأمـــــــــان لكي تطمئــن

فلملم حضورك ، حان الغيــاب
وارحل بعيدا في اللا وطــــــن

ليعلن عنـك الزمان الهجيـــن
بأنك جسدت حزن الزمــــــن

تلفظ الدقائق الأخيرة أنفاسها لتعلن نهاية الموعد ، تغلق أوراق الإجابة ، تجمع أوراق الإجابة ، ينصرف الطلاب ، والمراقبون ، والأساتذة ، يظل في مكانه جالسا ، يحس أنه نسي شيئا ، ماذا نسي ، لا يعرف ، يجمع أدواته ، يجر قدميه ثقيلتبن إلى باب المدرج ، لا يكاد يبلغه حتى يتذكر ، نعم لقد نسي ، نسي أن يكتب في الخانة الرابعة ، أنه في الفرقة الرابعة ، تركها خاوية .


وما في الأمر هل تذهب الورقة إلى سنة من السنيين الأخرى الخالية ،تذهب أو لا تذهب ، لا يهم ستكون الإجابة واحدة .. هل سيعرف المصحح سر النقاط الخالية ، يعرف أو لا يعرف ستكون النتيجة واحدة ، نعم واحدة .