16‏/9‏/2007

الإساءة مجددا

للعام الثاني على التوالي تطالعنا الصحافة والإعلام الغربي بالإسائة العلنية والمباشرة ، لشخص الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ، العام الماضي كانت الدنمارك ، وتبعتها فرنسا ، وهذا العام السويد ، والتي لم تفتأ منذ أن نشرت نفس أفكار العام الماضي ، أن تردد لا يمكننا الاعتذار ، وعندما توهمت بعض الصحف نبرة الاعتذار على لسان دبلوماسييهم سواء في السعودية أو باكستان ، حتى سارعت الحكومة بنفي هذا الفهم الخاطيء ... لا لم ، ولن نعتذر ، نعم إننا آسفون ، آسفون حقا .. آسفون على عدم تقبل المسلمين الإسائة بروح حضارية ! هذا ما قالوه في تصريحاتهم فعلا

وبهذه المناسبة أحب أن أعيد نشر رسالة لي في أحداث العام الماضي ، تضع أيدينا على جانب خفى من الموضوع لم أر أحدا تكلم عنه قط
_______________________________________________________

لنعلم من أين نؤتى



في سبتمبر الماضي سمحت صحيفة " جيلاندز بوستن " الدنمركية بنشر 12 رسما كاريكاتوريا مسيئة للرسول " صلى الله عليه وسلم " ومن قبلها النرويج ، وعندما قامت الجالية المسلمة بالدنمارك باستنهاض العالم الإسلامي ، قامت بعض الدول الإسلامية بقطع علاقاتها الدبلوماسية ، وبعضها قام بمقاطعات اقتصادية رسمية ، أو شعبية ، والبعض لاذ بالصمت ، ولكن الحكومة الدنماركية استغاثت بدول الاتحاد الأوروبي ، التي أعلنت رفضها لتعامل دول العالم الإسلامي مع القضية التي يعتبرونها " حرية رأي " حتى أعيد نشر الصور في صحف دول أوربية أخرى مثل ألمانيا ، وفرنسا .

ونحن هنا نحاول تقييم موقف هذا العالم الغربي ، لا من منظور الشرع – فهو معلوم لكل مسلم غيور على دينه ونبيه ، ولكننا سنقيم أفعالهم ومواقفهم بمعايير مفكرين منهم وعلماء وسياسيين ، لهم ثقل لا يمكن تجاهله على كافة المستويات ، بداية من موقفهم من شخص رسول الله نفسه ، إلى رأيهم الأخلاقي والقانوني من دعوى " حرية الرأي " تطبيقا على مثل هذه الوقائع ، إلى موقفهم من سلاح المقاطعة الذي أزعجهم ، فقاموا بمهاجمته على الرغم من إعتماده عندهم في كافة الخلافات .



أولا : موقفهم من شخص النبي صلى الله عليه وسلم

يقول أديب فرنسا الشهير لامارتين ( La Martine ) معترفا بعظمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ونجاحه منقطع النظير في مهمته الجليلة " إن إنسانا لم ينهض أبدا – متطوعا أو غير متطوع – لمثل هذا الهدف الأسمى ؛ لأن الهدف كان فوق طاقة البشر ، لقد كان تحطيم تلك الحواجز من الأوهام والأحلام – والكلام له – التي حالت بين الإنسان وخالقه ، والأخذ بيد الإنسان إلى عتبة ربه ، وتحقيق عقيدة التوحيد النقية المعقولة الساطعة ، في ضباب هذه الوثنية السائدة ، والآلهة المادية ، إنه لم يحمل إنسان مثل هذه المسئولية الضخمة ، والمهمة الجليلة العظيمة التي تخرج عن طوق البشر ، بمثل هذه الوسائل الضئيلة " .

إلى أن قال : " لقد كان إخضاع ثلثي العالم لهذه العقيدة الجديدة من مآثره بلا ريب ، ولكن الأصح أنه كان كان معجزة العقل ، لا معجزة فرد واحد ، إن الإعلان بعقيدة التوحيد في زمن كانت فيه الدنيا تحت وطأة أصنام لا حصر لها ، كانت معجزة مستقلة بذاتها ، وما لبث محمد أن أعلن هذه العقيدة أمام الملأ ، حتى أقفرت المعابد القديمة من عبادها ، فلا داع فيها ولا مجيب ، وتكهرب ثلث العالم بحرارة الإيمان "

أما جون دريبر ( John Draper ) في كتابه " تاريخ أوربا الفكري والعلمي " : " لقد اجتمعت في محمد من الخلال والصفات التي غيرت مصائر الشعوب والأمم ، والحكومات والدول ، إنه أكد على الحقائق الثابتة الدائمة ، بدلا من الخوض في بحوث ما وراء الطبيعة ، ونذر نفسه عن طريق العناية ، والأمر بالنظافة والطهرة والجد ، والصوم والصلاة ، لترقية الحياة الاجتماعية .

ويؤكد هذا الموقف المنصف من أدبائهم ومؤرخيهم وكتابهم ، أن توماس كاريل
( Thomas Cariyl ) قبل مائتي سنة اختار محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) من بين الأنبياء جميعا كبطل أعظم ، والآن في آخر القرن العشرين وضع مايكل هارت (Michael H.hart ) اسم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) برأس القائمة لأسماء أولئك العظماء الذين تركوا آثار عظيمة في تاريخ العالم البشري " .

فكل من يتجاهل هذه الحقائق والشهادات من كبار رجالاتهم ، إنما يكذب على نفسه وأمته ، قبل أن يكذب على العالم .



ثانيا : موقفهم الأخلاقي من نشر هذه الأفكار

ونقدم هنا مقتطفا من مقال أحد الباحثين الكتاب وهو الأستاذ وليم هـ. داويدسن ( William H.Davidson ) في " موسوعة الأخلاق والديانات " يقول :
" إن أكبر مظاهر التسفل الخلقي ، واللؤم الفطري ، وموت الضمير ، وحمل الخزي والعار ، والحرمان من أي أثر من آثار الشرف الإنساني حتى الرمق الأخير منه ، هو : التنكر والجحود للقادة الدينيين ، وبناة الإنسانية ، وأصحاب المنة والفضل على العالم كله ، والبلادة في القول ، وسلاطة اللسان ، واستخدام الأسلوب الشائن المزري بأهله الذي لا يليق بأدنى شخص ، وبأرذل إنسان ، والذي لا يجرح مئات الملايين من البشر من أتباعهم ومحبيهم المستميتين دونهم والذين يؤثرونهم على أنفسهم وأهليهم وأموالهم ، ولا يكلم عواطفهم الجياشة فحسب ، بل يقتل الحقائق ، ويذر الرماد في العيون ، ويحاول طمس الواقع ، ولا يجوز لأي مجتمع كريم يعرف قيمته ومكانته ، ولا لأي بلد متحضر لا يريد العيش في الجهل ونكران للجميل ، أن يصبر على وجود هؤلاء الأنذال واللؤماء الذين باعوا ضمائرهم ، وتخلوا عن إنسانيتهم ، وتنكروا للجميل والمعروف ، إنهم رجس يجب أن تتطهر الأرض منهم "
وهنا لم يكتف الكاتب بتحقير هؤلاء المسيئين للأديان وتسفيههم ، بل طالب بلادهم – والتي هي بلاده – بتشديد العقوبات عليهم إلى حد النفي .

وفي الاحتفال برأس السنة الهجرية ( 1427 ) في فيينا الذي دعا إليه ميخائيل هوبيل عمدة العاصمة النمساوية قال : " إن مانشر في هذه الصحيفة يتنافى مع الاحترام الذي من المفترض أن يلقاه كل دين ، فنحن لا نقبل الإسائة إلى الرموز الدينية ، أو إلى قيم أي دين "
فهاهم ساستهم يعترقون بأن هذا العمل لا أخلاقي ، ولا يستحق فاعله فردا أو جماعة ، الحياة على وجه الأرض .

ثالثا : موقفهم القانوني من دعوى حرية الرأي


عندما أعادت الصحيفة الفرنسية " فرانس سوار " نشر الرسوم المسيئة ، اعتبرت بكل تبجح أن هذا حقها في " حرية التعبير " ولكن الواقع أن عددا غير قليل من كبار المفكرين ، وفقهاء القانون الغربيين لم يعترفوا بحرية الرأي المطلقة العامة ، وأشاروا إلى نتائج هذه الحرية المطلقة ، والتي هي أشد ضررا وأكبر خطرا من سلب الرأي بتاتا .
ومن هؤلاء أحد رجال القانون المعروفين ويليام ايبسنتن ( William Ebenstsin ) يقول : " إن الاحتجاج ضد الرقابة الخلقية أو القوانين المتعلقة بالأخلاق الشخصية بناء على أنها قيود لا تطلق على حرية الفرد الشخصية – يعني الدفاع عن هذه القوانين وحمايتها ، إنها حاجات غير ملزمة ، أو أن قضاء هذه الحالات لا يمكن إلا بالتضحية بتلك المثل التي هي أعلى وأفضل من الحرية الشخصية ، والتي تكفل بقضاء حاجات البشرية العميقة الدقيقة ، إنها القيم العليا التي هي ليست داخلية ، بل تحمل أهمية موضوعية " .

ويضيف متحدثا عن ماهية الحرية : " أما إنه ما هي حدود حرية الفرد أو بعض الأفراد ، فهي قضية تعتمد على مقارنة دقيقة بين الإطار الذي يريدونه لحريتهم ، وبين مقتضيات القيم والمثل العليا كالمساواة ، والعدل ، والسلام ، والحفاظ على حقوق الناس ، ولذلك لا يمكن أن تبقى هذه الحرية مطلقة من القيود " .

وفي الخطاب الذي يعتبر أساسا لقانون حرية الرأي بالولايات المتحدة يقول بلاك استون ( Black Stone ) منبها على قضية " حرية الرأي " في الصحافة خصوصا : " إن كل فرد حر له الحق الشرعي في أن يبدي عواطفه أمام الجمهور ، وإن فرض الحظر عليه قضاء على حرية الصحافة ، ولكنه إذا أراد أن ينشر شيئا غير لائق ، يثير فتنة ، أو يخالف القانون ، فإنه يتحمل وزر مسؤوليته ، ولأن الكتابات الخطيرة الإجرامية التي تعتبر بعد مرافعة محايدة منصفة ذات ضرر وخسارة يلزم المعاقبة والتعذير عليها للحفاظ على الأمن والسلام ، والسلطة والديانة ، لأنها هي الأسس الذي تقوم عليه الحرية المدنية ، فضمير الفرد الحر ، مكفولة له الحرية ، ولكن التعذير على استخدامها السيء من أهداف القوانين الجنائية " .


رابعا : موقفهم من سلاح المقاطعة

اتهم بعض القادة والساسة الأوربيين أن مقاطعة الدول الإسلامية تعتبر غير مشروعة أو قانونية ، ولكننا نجد أن هذا السلاح يستخدمونه فيما بينهم على أبسط الخلاقات السياسية ، فعندما قامت الحرب الأمريكية الغاشمة على العراق ، قامت الدول الأوربية بمعارضة أمريكا في هذا القرار فما كان من الشعب الأمريكي إلا أن اختار سلاح المقاطعة ، ردا على هذا الموقف ، فيما يُظهر الاستطلاع الذي نُشر من أن 43% من الأمريكيين سيقاطعون المنتجات الفرنسية ، في حين قال 36% إنهم سيقاطعون السلع الألمانية !

ويستخدمونه أيضا ضد أي دولة تتقاطع مصالحها مع مصالحهم خاصة من منطقتنا وفي هذا الصدد يصرح عمر الراوي ( عضو برلمان فيينا عن الحزب الاجتماعي النمساوي ومفوض ملف الاندماج بالهيئة الدينية الإسلامية بالنمسا ) : " إن سلاح مقاطعة بضائع الدول التي تسيء صحافتها للنبي شيء عادي ومشروع ، فالولايات المتحدة نفسها تتعامل بهذا المنطق مع إيران ، وسبق أن استخدمته مع العراق ؛ لذا فمن حق الشارع المسلم أن يغضب لنبيه ، وهذا أقل ما يجب فعله " .

الدنمارك في ميزان التاريخ :

قد يُتفهم موقف شعب معين ذو حضارة وتاريخ من قضية مهمة أو شخص مهم لشعب ذو ثقافة مغايرة ، ولكن لا يتفهم موقف شعب لم تهذبه الحضارة والثقافة في تاريخه إلا لماما ، من أفكار وأشخاص شعب له ماض وحضارة ودين ، ضاربة في أعماق التاريخ .

" وإن الناظر في تاريخ الدنمارك يجد أن هذه البلاد الصغيرة البعيدة اشتهرت قديما بالقرصنة واللصوصية ، فقد كان القراصنة الدنماركيون يجوبون البلدان الإسلامية المطلة على المحيط الأطلسي ، والبحر المتوسط ، فيغيرون ، ويسرقون ، وينهبون ، ويهربون ، وقد كانوا فيهم كثرة من أهل الخسة والخبث ، ولهم باع طويل في الخراب والفساد ، وكتاب " سير أعلام النبلاء " يظهر الكثير من أخبارهم ، وما فيها من الشناعة ، والغدر ، والخيانة ، والخبث ، والفساد " .

وأخيرا :

فليس أمامنا – في الوقت الراهن – سلاح أقوى من المقاطعة ، هذا السلاح الذي قد يستهين به كثير من الناس ، أثبت فعاليته على مر التاريخ ، حيث استخدمته الهند ضد البضائع الإنجليزية لنيل استقلالها ، وأمريكا نفسها استخدمته عند الاستقلال ضد الإنجليز أيضا عام 1765 في قانونهم المعروف بقانون الطوابع

وقد أثبتت مؤخرا المقاطعة العربية للمنتجات الإسرائيلية والأمريكية منذ بدء الانتفاضة الفلسطينية – أثبتت نجاحها منقطع النظير ، فيما يصدره مكتب المقاطعة العربية من إحصائيات تقدر حجم الخسارة الإسرائيلية بأكثر من 92 مليار دولار ، بينما اعترف اتحاد غرف التجارة الإسرائيلية أن المقاطعة تسببت في خسائر كبيرة مقدارها 45 مليار دولار على مدار 45 سنة ، منها 20 مليار قيمة الصادرات الإسرائيلية المتوقعة للأسواق العربية ، و25 مليار عوائد الاستثمارات الإسرائيلية في الأسواق العربية خلال الفترة نفسها .

وقد نشرت جريدة الحياة اللندنية في ( 28 / شعبان / 1421 هـ ) أن خسائر شركات التكنولوجيا اليهودية في الولايات المتحدة ، بلغت منذ بداية الانتفاضة عشرين مليار دولار
.


المصــادر :

- " محمد الرسول الأعظم وصاحب المنة الكبرى على العالم " – أبو الحسن الندوي – دار الصحوة .
- " المقاطعة أضعف الإيمان " – عمرو عبد الكريم .
- موقع إسلام أون لاين .موقع الشيخ الألباني .

هناك 4 تعليقات:

محمود يقول...

اخي العزيز احمد...تحية خالصة لأخ عزيز احببته في الله ...كل عام و انت بخير و اقرب لله سبحانه و تعالى ...

Moslma-N يقول...

السلام عليكم
لقد قادنى القدر لمشاهدة مدونتك عن طريق تعليقك فى "شوية افكار

ماشاء الله مدونتك جميلة جدا شكلا و
مضمونا
ادعوا الله ان تكون فى ميزان حسناتك و ان تنتفع بها الامة

أحمد أبو خليل يقول...

أخي محمود

إليك شكران

شكر على التحية

وشكر على أن أتحت لي الفرصة أن أتعرف على مدونة مسلمة

فانطلاقتك يا مسلمة أكثر من رائعة

وكل رمضان .. وأنتم بعزة

ياسر مدني ...دينامو الإخوان يقول...

أدعوكم لإبداء الرأي في فوازير رمضان الشعريه(خلق وصحابي)للشاعر وليد الرفشي
ولا تنسوا
1-المشاركه
2-إبداء الرأي
3-مقترحات