15‏/6‏/2007

عندي عشرون


صوت المنبه أخذ يدق ، ويدق حتى دق عشرين دقة .. وأخيرا استيقظ كليل الجسد .. متعب العينين من سهر الأرق ، توضأ بتلقائية شديدة ، يقطر الماء من جنبات وجهه فيكشف عن قسمات قاسية كأنها ما عرفت في الحياة فرحة .

وقبل أن يهم بالخروج ، وقعت عيناه على ورقة الأيام ( النتيجة ) المعلقة على باب الغرفة ، وجد مكتوبا عليها 10 / 6/2007 ، بُهت وكأنه لا يعرف ذلك اليوم ، وكأن رأسه لم يزل بها وجع من التفكير به منذ أشهر عدة ، وكأن قلبه لم يزل يخفق كل ساعة تقربه من هذي اللحظة ، مد يده نزع الورقة ، دسها في جيبه ثم مضى بعدما أطرق بُرهة .

يدلف عبر درجٍ فيخاله يحوي عشرين بسطة ، ينزل للشارع المظلم أعمدته كعشرين شمعة محترقة ، تهرب عيناه لتفتش في السماء ، ينظر إلى القمر فإذا به مكانه لم يتحول منذ عشرين عاما ... فإذن ما الذي تحول وتبدل ، ما الجديد في هذه اللحظة التي حتما مرت على أناسي كثرٌ طوت الأيامُ حياتهم صفحة ، صفحة ..

الجديد ! ؛ الجديد أنه لم يفرح بذلك أية فرحة ، وما يتمنى ممن حوله أن يهنئوه ، بل أن يعزوه فردا فردا ، يعزوه ويعزوا ذاك الزمان الغريب الذي قضى الله أن تكون هذه السنوات العشرين من حظه ، وهذا المكان الذي خُط له أن يعيش فيه هذه المدة .

تدور هذه الأنات على قلبه ، ولم يتبقى على المسجد الذي في آخر شارعهم سوى عشرين خطوة ، وهو ما زال يتمنى ألا يكون إمامه في الصلاة عم الشيخ عطوة .. بل ، يتمنى أن يجد ذلك الشيخ الجليل الذي رآه في حلمه ، وهو ما يزال يتفرس الوجوه ، يبحث عن بطل من الأبطال يشركه في أثقل أمانة على وجه الأرض

أجل يتمنى أن يجد عبد الله بن أبي قحافة يحدثه عن صاحبه محمد بن عبد الله الذي جاءه في يوم من الأيام وقال له إني نبي يوحى إليه فآمن به وصدقه ، ثم انطلق يبحث عمن يحمل هذا الدين ويبلغه في العالمين ، فلم يختار عشرين من الرجال في سنه ، ولكنه يختار من أول ممن يختار فتية خمسة رجال في عصرهم

يخبره ذلك الشيخ كيف أنه دعا من أول ممن دعا الزبير ابن الخامسة عشر وصاحبه طلحة
سعيدا ( بن زيد ) وهو أيضا في الخامسة عشرة سعدا ( بن أبي وقاص ) ابن السابعة عشرة
وأخيرا أكبرهم سنا لم يكن إلا الأرقم ابن العشرين ، فيرجع بهم إلى النبي فيجده يصلي وخلفه - من غير زوجته وبناته - فتيان لم يبلغا سن أي من هؤلاء الخمسة ، هما على وزيد في سن الصبية

تاهت به قدماه قدمه أكثر وأكثر حتى غاصت في الأرض ولا يزال على المسجد نفس العشرين خطوة لا يريد أن ينجز منهم أية خطوة ، لا يصدق أن يأتي رجلا في هذا الزمان حتى ولو كان يبحث عن موظفين له في شركة ، فلن يختار أحدا في هذه السن طبعا ، ألبته ، يتسائل في حسرة أشركة أهم ، أم أعظم دعوة .
ولكنه لم يتحرك بعد لأنه ما زال يتمنى أن يتحقق حلمه .. يتمنى ألا يجد من بجواره في الصف سيد ابن الحته ، بل يجد ذلك الشاب ثابت المراس حاد الملامح أسمر الوجنات ، يقول له : نعم أنا أعرفك لقد .. لقد حدثني عنك ذلك الشيخ الجليل منذ ثوان ، ذلك الشيخ الواقف هناك .. ينظر ، فإذا به قد اختفى ، لا يهم ولكني أعرفك وأعرف هذا الذي في جنبك ، رباه إنه سيفك ، سيفك الذي دعا له ولك النبي العظيم وأنت في السادسة عشرة ، سيفك الذي كان أول سيف يجرد من غمده ، يرفع دفاعا عن النبي العظيم ، لم ترهبك كل رجالات قريش فخرجت رافعا سيفك هادرا دم كل من يقف في وجهك ، لمجرد أن تناهى إلى سمعك أن أحدهم آذاه أو قتله ، ليتك تعيره لى أدافع به عن النبي في هذا الزمن ، يحاول أن يمد يده ليمسكه فإذا النور الذي به يتلجلج يومض ، يبرق ويرعد ، فينزع يده كي لا يحترق ، ويختفي من أمامه زبيرا وسيفه

لا يلبث أن يقبل عليه شابا على نفس الهيئة .. قد حمل على ظهره قوسه وسهمه ، يكاد لا يصدق عينيه وهو مقبل نحوه ، أنا أعرفك أنت من كنت وحدك في ذاك الزمان ثلث الإسلام ، وكان عندك من العمر سبعة عشرة ، سهمك الذي رميت به أول رمية في الإسلام وما زال الرامون يرمون بعدك ، ألا تدلني على من يعيرني مثله ..يذوب سعد كما ذاب صاحبه ، وكما تذوب قدماه عند الخطوة العشرين من المسجد لا تتقدم نحوه

فإنه ما يزال يتمنى ، وتتقدم به الأماني في عصر الزمان فترة بعد فترة ، ها هو يري النبيَّ العظيم وهو يعقد لواءه في آخر أيام عمره لفتى الإسلام أسامة بن الثامنة عشرة ... عمرَ ابن الخطاب وهو يقحم ابن عباس مع أشياخ بدر يقول له قل لنا رأيك في هذه الآية وتلك الكلمة وهو دون التاسعة عشرة ...
الصبيَ الذي دخل على ابن عبد العزيز يتقدم قومه ... محمداً بن القاسم يدق أبواب الصين بعد أن فتح السند ( باكستان ) ، وقهر ملوك الهند ، وما كان عمره يوم خرج بالجيوش المجيشة من العراق إلا سبعة عشرة ... الوفودَ العظيمة من العلماء والعامة ، واقفة على باب ابن سينا وهو في الثامنة عشرة ، ينهلون من علمه وطبه ... الفاتحَ العظيم محمدا سلطان على المسلمين في أعظم دولة

تتوقف به عجلة الزمان تارة وتدور تارة الأحداث كلها اختلطت في ذاكرته وعقله ، تتوهج وتثلج ، تومض وتختفي كضوء تلك السيارة المقبلة نحوة ، وقد أخذ قائدها يزمر له مرة بعد مرة " ماذا دهاك تحرك من وسط الشارع أيها الأبله"

أخيرا يتحرك رغما عنه يقترب من المسجد لكنه يتمنى ألا يجد أحدا من هؤلاء الذين رآهم في حلمه ، نعم لا يمكن أن يرى أي واحد منهم ، ماذا سيقول لأي منهم ، إذا سأله عن حاله وحال أمته ، وهو الفتى ابن العشرين ، ماذا سيقول لذلك الشيخ الجليل أيقول له ضن علينا أئمتنا و قادتنا ، وحتى آباءنا سفهوا آراءنا وحجموا أعمالنا ، ولم يحملونا حتى أمانات أنفسنا التي بين جنباتنا ، أم سيقول لم ندخل عليهم الباب ، فإننا ما زلنا مغلوبون .

ماذا سيقول للزبير ، سيقول له تجاوزت سنك ولم أتعلم كيف أدافع عن نبيي ، ماذا لو اكتشف أن النبي أوذى – ليست إشاعة – ولكن على رؤوس الأشهاد ، وملأت إهانته سمعي وبصري ولم تهتز لي سوى شعرة

نعم كبرت وما كانت تتركني أمي في حر القيظ لتعلمني الشدة والبأس كما كانت تفل أمك صفية ، ولا كان ينهرني أبي عن اللعب مع الأطفال والبنات في شارعنا ويقول لي لم ألدك لهذا ، ولكن ولدتك كي تلعب بالسيف على حصانك وتعيد بيت المقدس كما كان يقول نجم الدين أيوب لولده صلاح الدين ، نعم كبرت ولما يأتني أبي بكر وأنا بين زملائي في أجازة أولى ثانوي ، ويقول لي آن الأوان لتكون بطل هذا الدين ...

الله أكبر الله أكبر أشهد ألا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، يقطع نداء الإقامة أحبال أفكاره ، آماله وآلامه ، يصلي ويدعوا في كل ركعة وسجدة أن تكون كل هذه العشرون سنة هى الحلم ، ويكون حلمه هو الواقع ، يبكي يتضرع أن يغير الله به الأرض غير الأرض ، والزمان غير الزمان .

يفرغ من الصلاة ، يحاول أن يقنع نفسه أن الله استجاب لدعاءه وأن كل ما حوله قد تغير ورجع إلى أصله .
وإذا به "
مبروك يا حمادة بقي عندك عشرين سنة " ، يقطع ذلك الصوت أمله ، فلم يستجب لدعاءه أو قل لن يتحقق حلمه ، ثم تنهال العبارات تخرق سمعه ،
"
إيه ده إنهاردة عيد ميلادك يا أبو حميد " ،
" والله كبرت يا واد يا احمد بس برده لسه عيل زي ما انته ،
" آه نجيبلك بقة تورتة لازم " ،
" حمادااااااه عقبال الميت سنه يا حبيبي ، آه بس تتخن شوية ما ينفعش كدة "
" .. ... ... ....... "
لا يستحمل كل هذا ، تتضارب معه الأحلام والواقع ، أو الواقع المنشود المأمول ، والواقع المفعول المقتول ، يكاد يختنق يتوجه نحو باب المسجد ويصرخ بأعلى صوته


نعم عندي عشرون ، وما عندي غيرها ، عندي

عشرون من السنين وما في كل من بلغ سني في

هذا الزمان عشرون سيفا من سيفك يا زبير ، ولا

فيهم عشرون سهما من سهمك يا سعد ، ولا

يملكون عشرين بيتا من بيتك يا أرقم ، ولا حتى

عشرين زوجة كأسمائك يا زبير ولا كفاطمتك يا

سعيد بن زيد ، ولا عشرين قلما كقلمك يا ابن سينا

ولا يحكمون عشرين مترا مما كنت

تحكم يا محمد الفاتح

نعم عندي عشرون وقد ضنّ المجتمع على سني

تلك بكل شيء ، وحالوا بيني وبين كل إنجاز

بأصنامهم تلك التي يدعونها تقاليدا ، فلتهبني ربي

فأس إبراهيم أحطم بها هذه الأصنام

تلك الأصنام التي لم أسجد لها في يوم من الأيام

سجدة ورغم ذلك حرمتني من كل شيء حرمتني

حتى من سكن ومودة .. نعم

حرمتني حتى من حب امرأة تكون لي زوجة

بلغت أنا عشرين عاما ، ولو رآني أحد من تاريخ

أمجادي لخالني بلغت عشرين صفرا


هناك 7 تعليقات:

أحمد بن شلبي تكعيب يقول...

من ... غير ... ما .. أطول ... في ... الكلام

لا ... أملك ... الا ... أن ... أرفع ...لك ... القبعة ... احتراما ... يا ... ابو ... خليل

بس .... للاسف ... انا ... معنديش .. قبعة

بس بجد .... فعلا قصة عنيفة

أكرم يعقوب يقول...

فعلاً مش عارف أقوللك أيه بس بجد احييك جداً و بشدة على تلك التدوينة و أقوللك كلمة اتعلمتها من أكتر مكان اتعلمت منه "نقدر....؟طبعاً نقدر"
أكرم محمد العوضى

قسما سأنتصر يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
قسما سأنتصر يقول...

بلغت أنا عشرين عاما ، ولو رآني أحد
من تاريخ
أمجادي لخالني بلغت عشرين صفرا


ما اروعها من كلمات اخى احمد
مضى عشرون عاما وكانها ايام معدوده وربما لـم يحقق الكثير من الشباب ما كان ليثبت به ذاته لكنها امال فى السراب تعبث
يالها من ايام تدور حتى ياتى دلك اليوم وتصبح ذكرى حزينه
ولعلها تصبح سعيده العام القادم او فى عام اخحر ، وربما تختلف معطيات الواقع لكننا على ثقه بالله بأن الغد افضل (فقط ان كنا نستحقه
وربنا يرزقك بحـب صادق يكون نواه لأسره مثاليه فى المستقبل القريب ان شاء الله وابعد الله عنك كل مكروه وكل عام وانت بخير ونجاح وتألق دائما
بوركتم ودمتم بود

همسة قلم يقول...

قصة جميلة واحلام نرجو لها ان تتحقق يوما اخونا الكريم احمد

مزجت بين واقع مؤلم وتاريخ مشرف في قصتك وبين الماضي والحاضر الكثير والكثير وقضية طرحتها عبر القصة لاختلاف النشئة والتربية ين الاجيال

فمن تربى على ان السيف لعبته لن يجد شبيها له في عصرنا الحالى فنحن نربي ابنائنا على الجبن او ربما على الخوف

لكمكل التحية على قصتكم

وشكرا جزيلا لارسال رابط المدونة التي سعدت بالتعرف اليها

mirage يقول...

الشعور بالعجز فعلاً مؤلم ..
بس ممكن نتوصل لطرق تانية غير السيف والسهم لنصرة الدين
التميز والنموذج الكويس ده خير رد عن دينا
وده للأسف احنا مفتقرين ليه

Mai_Jeneen يقول...

رد متأخر بشدة

لكن لم أستطع أن أمر و لا أعقب !

أحياناً تحمل تواريخ الأيام معانٍ أخرى !

أحياناً تشعر بما لا يشعره الاخرون ...

جاءتني مثل تلك الخواطر عندما أتممت التاسعة عشرة قرب الشهرين

و أخالني أرى العشرين هي الرعب بذاته !

لا أدري كيف يحمل الناس هذه الأرقام الكبيرة بلا عِبرة ... أو عَبرة